الأحد، 3 يونيو 2018

عم بطرس فى رمضان . بقلم دكتور وجيه رؤوف



عم بطرس فى رمضان
صحوت صباحا مبكرا جدا لكى اتناول حقنه الأنسولين الخاصه بى ، وحتى لا تحدث لى غيبوبه مثلما يحدث دائما حينما لا آكل جيدا فتنخفض نسبه السكر فى دمى ، اصبحت حريصا جدا فقد أبلغنى طبيبى الخاص بأن غيبوبه نقص السكر أشنع وأخطر من غيبوبه زياده السكر.
ذهبت سريعا إلى المطبخ لكى أعد طعام الإفطار لى وهو طعام إفطار بسيط ، وحيث أننا فى أيام صيام الرسل البالغ من العدد 45 يوم فأنا لا أتمكن لمرضى من الصوم انقطاعا تاما عن الأكل والشرب مثل الآخرين ولكنى أكتفى بالأكلات الخاليه من المنتجات الحيوانيه .
مددت يدى المرتعشه الحريصه على عدم إصدار أى صوت حتى لا أسبب أى إزعاج لزوجتى النائمه فى الغرفه المجاوره وفتحت باب الثلاجه لأمسك بدماسه الفول الكائنه فى العمق .
اخذت خمسه ملاعق من الفول الشهى ووضعتهم على البوتاجاز لكى اشيع بهذه الحبات المترقرقه من الفول الدفء والسخونه .
المهم لا أطيل عليكم تناولت إفطارى ثم بعدها حقنت نفسى بحقنه الأنسولين ، ولكن كانت لى مشكله كبيره فاليوم لابد أن أذهب لإستخراج بدل فاقد لبطاقتى الشخصيه ، والمشكله الكبرى أننى أحتاج لتناول الطعام على فترات متباعده حتى لا ينقص مستوى السكر فى دمى وأدخل فى غيبوبه .
فى الآيام العاديه لا توجد مشكله ولكننى الآن فى شهر رمضان والكل صائم ، وأنا لا أريد أن اثير مشاعر اخوتى فى الوطن المسلمين الصائمين ولن أستطيع أن أتناول الأكل أمامهم ، فهذا سوف يثير مشاكل كبيره أنا لست مستعد لتحمل عواقبها ، غير ذلك أنا لا أستطيع تناول أى أكل فى أى مطعم وذلك لأن كل المطاعم تقفل فى نهار رمضان ، كما أننى لا أستطيع تناول أى مشروب لرفع نسبه السكر فى دمى فكل المقاهى مغلقه !
ما العمل وأنا لا أعرف كم ستمتد فتره بقائى فى السجل المدنى مع البيروقراطيه والتشدد فى المستندات والدمغات وما إلى ذلك ؟
خطرت لى فكره جهنميه وهى أن آخذ شنطه متوسطه الحجم توضع على الكتف وأضع بها ماأحتاج من غذاء وفاكهه وزجاجه ماء والحمد لله الفول موجود ، وصنعت عده سندوتشات من الفول الشهى بالسلطه وكنت حريصا جدا أن أغلفهم جيدا بغلاف من البلاستك ، حتى لا تخرج رائحه الفول فتثير حساسيه أخوتى الصائمين وتسبب مشاكل أو كوارث فى هذا الشهر الفضيل .
كنت أعلم أن الشيطان يكون مسلسلا فى هذا الشهر الفضيل ورغم ذلك أردت أنا أن لا أكون شيطانا يستفز مشاعر إخوتى فى الوطن ويثير صيامهم .
المهم غلفت كل هذه الأغزيه والفاكهه مع زجاجه الماء ووضعتهم على كتفى واستقليت اتوبيسا ذاهبا إلى السجل المدنى وكم كانت رائحه العرق الصادره من ملابس الركاب فى الأتوبيس تزكم الأنوف .
المهم وصلت إلى السجل المدنى ووقفت فى صف طويل و وانتظرت طويلا فى الصف حتى وصلت إلى الموظف الذى اطلع على كل أوراقى التى اجهز فيها منذ أكثر من شهرونصف ، ونظر إلى الموظف قائلا :
أخيرا يا عم بطرس كملت أوراقك ، مش كان من الأول ليك شهرونصف رايح جاى ، المهم فاضل دلوقتى تجيب طابع شرطه ، علشان يكون ورقك كامل .
سألته : ومنين أجيب طابع الشرطه ؟
قال لى الموظف : هو الطبيعى إنه بيتباع عند حسانين صاحب البوفيه ، لكن حسانين مش موجود لأن البوفيه قافل ، أنت عارف إحنا فى الشهر الفضيل ، عليك وعلى مركز الشرطه هات طابع بوسته وتعال .
المهم طلعت على مركز الشرطه واخدت دورى فى الصف الطويل وبعد عناء حصلت على طابع الشرطه .
رجعت بعدها للسجل المدنى ومن بعيد نظرت فلم اجد طابور ، فأسرعت فرحا لكى انجز ماتبقى ، ولكننى وجدت شباك الموظف مغلق وملصق عليه ورقه مكتوب عليها راحه ساعه للصيام .
قلت ساعه واحده مش مشكله ، ولكننى أحسست بالتعب والخوار وابتدأت أطرافى بالتنميل وابتدأ فمى يمتلئ باللعاب وأحسست بدوخه وكلها علامات نقص السكر فى الدم ، إذا لابد أن أكل أى شئ وإلا سوف أدخل فى غيبوبه .
ماالعمل ؟ فكرت كثيرا وقلت ما بدهاش لأذهب إلى دوره المياه وأغلقها ورائى وأكل ، ليس هناك حل غير ذلك .
ذهبت سريعا إلى الدوره ، وفتحت احد أبوابها المتهالكه ولكن كانت رائحتها صعبه جدا ومثيره للقئ والإشمئزاز كعاده كل دورات المياه فى المصالح الحكوميه !
ماذا أفعل ؟ لابد أن اتجاهل كل هذا وآكل وإلا سوف أغيب عن الوعى .
تجاهلت كل ماحولى ، واخرجت ساندوتش الفول واكلته بسرعه وشراهه  ، بعد أن أنتهيت وبدأ جسمى يهدأ ، خرجت من دوره المياه .
بعد خروجى من دوره المياه ، تناهت إلى مسمعى أصوات ضحكات تخرج من منور هذا المبنى ، فذهبت إلى هناك ووجدت موظف السجل المدنى ومعه  بعض الموظفين يدخنون الشيشه ويتضاحكون !
ألجمت المفاجأه لسانى وجلست معهم ضاحكا ولكنى سرحت قليلا متسائلا :
هل كلهم مرضى بمرض السكر ويتناولون الأنسولين ، ربنا يشفيهم .
بقلم
د / وجيه رؤوف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق