الأحد، 4 يناير 2009

غزه والرابح ألأخير بقلم امال قرامى عن الشفاف


الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على المدنيين في غزّة وانتهاك حقهم في الحياة أفرز ردود فعل اتسمت، في الغالب، بالانفعالية. حنق شعبي وخيبة أمل في الحكّام العرب ورغبة في إبراز روح المقاومة: مظاهرات في الشارع العربي، شعارات، تنديد، مطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل وانتقاد لمصر، وشتم وسبّ ودعاء على الطغاة: ’جبابرة بني إسرائيل’.
والمتأمّل في تحرّك الجماهير على امتداد الأيام الأخيرة يتفطّن إلى تصنيف جديد وضبط لقائمة أعداء الأمة و أبنائها.
أما الأعداء التقليديون فهم:
ـ حكومة إسرائيل ممثلة في مجموعة من الوزراء على رأسهم أولمرت وليفني، اللذين برزت صورهما في جلّ المظاهرات العربية سواء في العالم العربي الإسلامي أو في أوروبا وأمريكا.
ـ يُضاف إلى هؤلاء الساسة المعاصرين، اليهود بصفة عامة. فالدعاء يوجه إلى اليهود واللعنة، والشتم والسخط عليهم أجمعين، ويتم استرجاع آيات قرآنية تصف خيانة هؤلاء وفساد نواياهم منذ غابر الأزمان.
ـ السياسة الأمريكية المتواطئة مع إسرائيل ممثلة في بوش.
ـ الحكّام العرب والوزراء بلا استثناء. فهم الذين خذلوا الأمّة وفتحوا الباب أمام إسرائيل لتدك سكان غزّة دكا لم يكتفوا بالصمت بل إنّ منهم من منع الشعب من حق التظاهر وجمع التبّرعات.
ـ جامعة الدول العربية: هيكل بلا روح ولا فاعلية ، كلام ولا أفعال..
أما الأعداء الجدد فهم:
ـ مصر، وسياسة مبارك. فهو الذي خيّب أمل المسلمين ولم يرق إلى نموذج عبد الناصر. لم يكن على قدر آمال القوميين ولا الإسلاميين، لم يضطلع بدور رئيسي مأمول. ولذلك انتُقِدت السياسة المصرية وأدائها في هذه الحرب اشدّ انتقاد.
ـ مجلس الأمن الدولي، الذي أكّد مرة أخرى أنّه لم يعد هيئة محايدة بل هو تحت هيمنة أمريكا وإسرائيل.
ـ المفكّرون الذين ’يميلون على هوى أمريكا وإسرائيل’، فينتقدون سياسة حماس وتشتت الفلسطينيين ويحمّلونهم المسؤولية عمّا جرى.
ـ الفئات المستلبة التي انشغلت عمّا يجري في غزّة بالاستعداد لحفلات رأس السنة الميلادية: هيفاء وهبي في هذا النزل، ونانسي عجرم في ذلك الملهى الليلي... لم تحرّك سواكنهم صور الأبرياء: أطفال قطّعت أجسادهم، نساء شوّهت ، رجال بترت أعضاؤهم... دماء تسيل. وبنى أساسية تنهار..
ـ الاتحاد الأوروبي الذي عجز عن أن يكون في مستوى الآمال المعلّقة عليه فلم يستطع أن يواجه أمريكا وإسرائيل، حفاظا على مصالحه.
ـ الإعلام الغربي الذي لم ينهض بدوره الرئيسي، امتنع عن طواعية عن تغطية العدوان على غزّة متعللا بأخلاقية تحول دون عرض الصورة.
أمّا مناصرو الأمّة وأملها المستقبلي فهم:
ـ نصر الله، الزعيم الروحي والمنتقد اللاذع لأمريكا وإسرائيل، الحاكم المنشود وصاحب الخطاب المسموع. نصرالله يذكّر بحادثة كربلاء وبالخطيئة الأولى والتخاذل الأصليّ.
ـ الدعاة والشيوخ والعلماء. فهم أصحاب الخطاب التعبويّ ’الفعّال’.
ـ قناة الجزيرة. وهي التي منحت الفرصة لتعود بقوّة بعد تراجع لوحظ في الأشهر الأخيرة على مستوى الأداء. عبارات الشكر والتنويه وخطاب مدح للتغطية الإعلامية الهامة، الوحيدة التي بثّت صور الفاجعة الإنسانية، أشلاء وجثثاً ورؤوساً وأمعاء و .... علّها تحرّك الضمير الإنسانيّ.
وهكذا كان الرابح الأكبر المدّ الأصوليّ. من العراق إلى مصر إلى المغرب إلى لندن... تهتف الجماهير: ’كلّنا حماس’. كلّ الجماهير، وخاصّة الأجيال الجديدة تقف تحيّة إكبار وإجلال لأبناء حماس الصامدين ولشهداء غزّة. ’سيري سيري يا حماس إنت المدفع واحنا نسلمك الأرواح’، لبيك يا حماس، ....
جسور المحبّة والولاء تمتد باتجاه ’حزب الله’ وكلّ الثقة توضع في رمز أثبت ’قوّته ’في الغزو الإسرائيلي على لبنان: نصرالله. بالروح بالدم نفديك يا نصرالله... يا حبيب الحسين لبيك لبيك’.وهكذا كان نصرالله صنو صلاح الدين الأيوّبيّ.
مزيد الإيمان بأهميّة الجهاد. فهو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام المسلمين. فأمام صمت الحكّام وتخاذلهم وخوفهم على مصالحهم لم يبق أمام الغيورين على الإسلام سوى العمليات الاستشهادية ’خبّر خبّر اليهود... جيش محمّد على الحدود’.
وأمام صمت المفكرين لم يبق سوى شيوخ الإفتاء والدعاة وغيرهم من علماء الأمّة لشحذ الهمم ولهجاء ’أشباه الرجال’. بادر الشيوخ بالاتصال بالساسة والتعبير عن مواقفهم وانطلقوا في الدعاء على اليهود... والدعاء لشهداء غزّة وللصامدين في لغة خطابية صارت معهودة.
وهكذا تسقط الدعوات لحوار الاديان وحوار الثقافات والحضارات، يتوارى الخطاب العقلاني ليفسح المجال للخطاب العاطفي الانفعالي. تهتز الثقة في خطاب حقوق الإنسان ،وفي إيطيقا الإعلام ودوره في نقل الحقيقة....
الرابح الأكبر ليس إسرائيل وليست السياسة الأمريكية ولا الأوروبية ... الرابح الأكبر الخطاب الديني المتطرّف: التعبئة الدينيّة التي تنهض بها كلّ الحركات الجهادية وغيرها. يستشهد نزار ريان ويخلفه ألف رجل. كلّما سقط زعيم، وُلِدَ ألف تابع ومناصر في فلسطين ومصر والمغرب والأردن وهولاندا وألمانيا و....
أرشيف الذاكرة يطفو على السطح: كربلاء واستشهاد الحسين، هزيمة 67، صبرا وشاتيلا، وأحداث أخرى، أغاني ملتزمة لمارسال خليفة وغيره ، أبيات لمحمود درويش وأخرى لسميح القاسم،....’وين الملايين’. فيض من العبارات: الخزي والعار والخذلان و...
ننتظر مزيدا من الكره والمقت والدوغمائية وحرصا أكبر على الانغلاق الفكري وسعيا إلى إقامة الجدران العازلة بين الأنا والآخر سواء في الداخل أو الخارج ... ننتظر تصفيات جسدية وتاريخا من العنف اللفظي والرمزي والمادي.
العنف يوّلد المزيد من العنف، والصمت العالمي أمام المجازر التي ارتكبت في حقّ المدنيين يجعل الخطاب الحقوقي، ومنظومة القيم الحداثية في مأزق. هناك إنسان تُحفَظ حقوقه وهناك نصف إنسان تُنتَهك حقوقه أمام الملأ وما من رادع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق