السؤال أو التساؤل الذي يسأله كثير من المصريين لأنفسهم في عصرنا السعيد هذا، هو في أي دولة وأي عصر نعيش نحن الآن؟هل نعيش في دولة حديثة وقوية (بل ويقولون مستبدة)، يعيش فيها الجميع في أمان، ويتساوون تحت مظلة العدل (أو حتى الظلم)؟أم أننا لسنا أكثر من تجمع عشوائي بدائي للبشر، يتصرف كل فرد فيه على هواه، ويأكل الكبير فيه الصغير، وتسحق الكثرة الأقلية، ولا يكاد يملك القائمون على أمره، أكثر من الاحتفاظ الرمزي بألقابهم الفخمة والضخمة، بشرط ألا يتهورون ويقدمون على التدخل، فيما قد يستفز الغوغاء، أو يغضب أصحاب السطوة أو الفضيلة أو القداسة، القادرين على تحريك الدهماء وتوجيهها أ ي وجهة يشاؤون؟هناك الكثير من الحوادث التي قد تجري هنا أو هناك، في المجتمعات المتقدمة أو المتخلفة على السواء، ولا يكون لتك الحوادث من معنى أو آثار، أكثر من مجرد الحجم الطبيعي والمحدود لتلك الأحداث.. لكن هناك أيضاً نوعية خاصة من الأحداث، تتجاوز دلالاتها وآثارها تلك الحدود، لأنها ليست أحداثاً عارضة، وإنما هي أشبه بطفح الصديد على جسد مريض ومضروب بالوباء، ولا يكفي هنا العلاج الوقتي بالمسكنات، أو يفيد التعتيم والتجاهل والتبسيط المخل، كما لا يفيد وضع المراهم وقليل من الأعشاب وأوراق التوت الساترة على مواضع الطفح الجلدي، فالداء يأتي من أعماق ذلك الجسد، ومن الدماء الملوثة التي تجري في شرايينه.المأساة الحقيقية في مثل تلك الحالات، لا تكون في المريض، الذي هو المجتمع المضروب بالفاشية والتعصب والكراهية، فلكل مرض دواء، وكل مريض لابد له من طبيب، يخلص النية والعزم على مداواته.. المأساة الحقيقية هنا تكون في الطبيب المفترض.. في الحاكم الذي يدعي تولي أمر ذلك المجتمع، ويطالب الجميع باحترام سيادته الوطنية، وعدم التدخل في شئونه الداخلية.لنستعرض بداية نموذجاً لمثل تلك الأحداث خطيرة الدلالة في المجتمع المصري، لنتدارس بعدها أمر المريض والطبيب:فعلي أثر حلقة في برنامج تليفزيوني، أذيع يوم الأحد الموافق 29-3-2009 علي قناة تليفزيونية مصرية، والتي استضافت ناشطة بهائية، وأحد البهائيين البسطاء من محافظة سوهاج، في مقابل صحفي وعضو في نقابة الصحفيين المصرية، كان قد سبق له أن شن حملات عداء وتحريض ضد البهائيين، وسيطر بالبلطجة على مقر نقابة الصحفيين، لمنع عقد مؤتمر وطني بها، يناقش مشاكل البهائيين، ضمن نشاط أهلي يهدف لمحاربة التمييز الديني، في مصر المحروسة من عيون الحساد وعيون الصهيونية والإمبريالية العالمية.. ومن يومها ونحن ننتظر أن تتخذ نقابة سادتنا الصحفيين المبجلين من هذا الشخص، ومن تلك التصرفات، موقفاً يدل على أن النقابة تضم بين جدرانها أصحاب رأي حر ومبادئ تليق بالإنسان، لكن دون جدوى، رغم مرور عام كامل على تلك الحادثة، ربما لأن مجلس النقابة الموقر راض وسعيد بما أنجز أحد أعضائه، وربما لانشغال الأعضاء الكرام بقضايا أهم، كتأييد ومساندة إرهابيي حماس وحزب الله، والوقوف خلف البطل العروبي عمر البشير، في مواجهة الهجمة الإمبريالية الصهيونية، المستترة وراء إنقاذ أهل دارفور الصهاينة من براثنه الطاهرة المقدسة!!في هذه الحلقة التليفزيونية استأسد الصحفي الهمام، على الناشطة البهائية الأستاذ في كلية الطب بالقاهرة، وعلى الفلاح المصري البهائي البسيط، ولم يتورع عن المطالبة بقتل البهائيين.. هو يفعل ذلك بالطبع مستمداً الجرأة على التطاول، من واقع خبراته السابقة، التي لم يواجه فيها بردع حقيقي، بل ولم يجد غير التدليل، أو التراجع المخزي في مواجهته، هو والواقفون خلفه من زبانية الجماعة المحظورة (لو من خلف ستار)، لتكون نتيجة ذلك البرنامج التليفزيوني، أن تعرض عدد من أسر بهائيين من سكان قرية الشورانية مركز مراغة محافظة سوهاج، في البداية إلي قصفهم بالحجارة، ووصل الأمر إلي حرق بيوتهم وتهجيرهم من منازلهم، تحت إشراف الأمن وخضوعه لما يقرره الغوغاء، مما دفع بعض أفراد الأسر إلي الهروب خوفاً علي حياتهم والبعض الآخر تم تهجيرهم بالإجبار.. تم أيضاً إشعال النيران عمداً في خمسة منازل، باستخدام الكيروسين والبنزين المعبأ داخل زجاجات مياه غازية، وقام أحدهم بوقف تدفق المياه عمداً عن المنازل أثناء الحرق، حتى لا يتمكن المبلغين من إطفاء النيران، أو تتمكن أجهزة الإطفاء من ذلك، وقام البعض بسرقة بعض محتويات تلك المنازل ليلاً.. في القاهرة وفي توقيت مقارب قام مجموعة من الأفراد بمنطقة بولاق الدكرور بالتجمهر أمام منزل مواطن، وقاموا بسبه والتهديد بقتله وحرق منزله إن لم يترك سكنه، وذلك لأن إخوته من طائفة البهائيين، والشك من كونه يعتنق البهائية، وتم بالفعل إجباره على ترك سكنه، وهو الآن مشرد لا يجد مأوى له، وترك أبناءه وزوجته بمفردهم بالمنزل.. هذا بجانب التهديدات التي تلاحق الناشطة البهائية د.بسمة موسى.. لم يكتف السيد الصحفي المناضل والمجاهد بما قال في قناة تليفزيونية مصرية خاصة، بل ثنى بنشر مقال بجريدة الجمهورية الحكومية الرسمية، بتاريخ 31 مارس تحت عنوان "مغالطات زعيمة البهائيين"، أثني فيه على تصرف أهالي قرية الشورانية، واعتبرهم من الغيورين عن دينهم، ويقول البعض أن ليس لدينا حرية صحافة، فأي حرية صحافة أكثر من أن تدعو جريدة رسمية تملكها الدولة إلى الإرهاب والتخريب والقتل؟!!علي ضوء هذه الأحداث تم تقديم بلاغ إلى النائب العام.. سجل مثل تلك البلاغات للنائب العام طويل، في أحداث تسمى بالفتن الطائفية، وفيها إما يعجز قانون الإجراءات الجنائية عن الإمساك بالجناة متلبسين، على ضوء طبيعة تلك الأحداث التي تشارك فيها جماهير الغوغاء بكثافة، وإما أن يتم تنحية الإجراءات القانونية، لتتبع دولتنا العظيمة السنية، نهج ما يعرف "بجلسات الصلح" أو "جلسات العرب"، ونعرف جميعاً طبيعة تلك الجلسات، كما نعرف نتائجها المباشرة، وما يترتب عليها في المستقبل.النتائج المباشرة تكون فرض الجاني لشروطه على المجني عليه، الذي يتحتم عليه قبول ترضية خاطر مفترضة، لا وجود لها على أرض الواقع، وحتى هذه الترضية المزعومة، تكون مشروطة بقبول المجني عليه لما يشترطه الجاني، في حضور السادة الأكابر ممثلي دولتنا عليها رحمة الله!!على المدى الطويل والقصير، نعرف جميعاً نتائج مثل هذه السياسة، وهي مسلسل الاعتداءات الهمجية على الأقليات، وفي مقدمتها بالطبع الأقباط.. نعرف جميعاً مسلسل الكشح، وما حدث في حلقاته من قتل وتدمير وتخريب.. كما نعرف بقية مسلسل الجهاد الإخواني وأتباعه وتلامذته، في باقي محافظات مصر، من جنوبها إلى ساحل البحر المتوسط، وبالذات في الإسكندرية، التي كانت عروس البحر المتوسط، وصارت الآن عروسة ملفلفة بالسواد والتعصب، في ظل الحراسة والرعاية الرشيدة لحكومتنا وحزبها الغير وطني والغير ديموقراطي، والذي لا يعدم من أفراده من يشارك بفاعلية في مثل تلك الهجمات البريرية، ويشارك بالتحريض عليها أئمة مساجد تشرف عليها وزارة الأوقاف الموقرة!!نحن الآن يا سادتي الأكابر والجلوس على كراسيهم إلى الأبد في مرحلة التخريب والتدمير والترحيل الجماعي، فهل لكم أن تشملوا مصر بنظرة عطف، قبل أن ننتقل إلى مرحلة الإبادة الجماعية؟!!
الاستاذ موريس صادق بين حرية التعبير والخيانه العظمى
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق