رؤية السيدة مريم رجوي
خطاب الرئيسة مريم رجوي
لمناسبة عاشوراء الحسين (ع) عام 2000
التمييز بين الجنسين أقدم ألوان القهر والظلم
إننا نعترف حقاً أن المعاناة والتضحية هما الثمن الذي لا بد لنا أن ندفعه للحصول علي حريتنا... ان ذلك يمثل جوهر النزال الأبدي الذي يعطي للوجود الإنساني معناه... وهو المعني الذي جعل الأناشيد التي تتغنى بحرية الإنسان تتردد رغم إصرار الطغاة الغاشمين على إسكاتها.. إن الغضب المتأجج في قلوب المظلومين سيزلزل قواعد الظلم والظالمين.
إن النساء كن أول ضحايا الظلم.. فإلى جانب اضطرارهن لتحمل الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي فقد اضطررن أيضاً للصبر على سلبيات خلقهن كنساء.
ولما كانت النساء تمثل نصف تعداد البشر على كوكبنا الأرضى، فإن الظلم القائم على التمييز الجنسي والمعتقدات المتوارثة المصاحبة له تؤثر مباشرة على النصف الآخر للجنس البشري وهو الرجل وتقيد تطوره.. ولذا فإن الحرية الحقيقية والكاملة للفرد والمجتمع لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تحرير المرأة المقهورة... وبمعنى آخر فإن التمييز ضد المرأة يعرقل ويؤثر سلباً على كافة مناحي الوجود الإنساني.
كثيراً ما يحكي لنا التاريخ عن العبيد وكيف يحتفلون بانعتاقهم، لكن ما قيل عن «عبيد العبيد» قليل.. إنهم أشد أبناء المجتمع الإنساني قهراً وعذاباً... واليوم نجتمع هنا على أمل أن يسمع العالم صوتهم الذي غاب في صمت القرون الطويل... إنه صوت المرأة.. صوت ذلك الجنس المقهور..
إن تاريخ العالم يتمثل في سعي الإنسان المجيد من أجل الحرية وأيضاً في سفر تعيس من القهر... وبينما توالت انتصارات الإنسان في تحرير نفسه من القيود التي تفرضها عليه الطبيعة، فإنه كان يقع باستمرار ضحية لقيود غيره من البشر... وهكذا بدأ التاريخ بظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ونكبت البشرية بالعبودية التي خلقها أمثال نيرون والفراعين، ومن حينها غاب صوت المظلومين بين أصوات السياط المدوية في أيدي سادتهم، ولم يبق سوى صوت السلاسل وساد العالم عصر طويل من العبودية.
هل كان للجنس البشري أن يبقى دائماً تحت رحمة القدر الأعمى والمصير المجهول؟... لقد جاءت الإجابة في ذلك اليوم المشهود في الناصرة، عندما أعلن المسيح عيسي بن مريم عليه السلام ان الله بعثه ليعالج القلوب الجريحة وليحرر المظلومين والمقهورين.
صرخة عبيد العبيد
جاءت رسالة المسيح عليه السلام بالتزام أبدي واضح يفرض على الإنسان «أن يتمرد علي قيود الرق والعبودية»... كما كشفت ثورة «سبارتاكوس» للعالم كذب الاعتقاد الراسخ بأن العبودية باقية للأبد وأكدت حتمية انتصار الحرية... غير أن سبارتاكوس ورفاقه كانوا يدركون أن الحرية، بالنسبة لهم على الأقل، غاية لن تتحقق قبل أن تفيض أرواحهم على صلبان الظالمين... وفي المساء السابق على المعركة الأخيرة صرخ سبارتاكوس في رفاقه: لقد قطعنا شوطاً طويلاً معاً وكلنا يتحرق إلي العودة إلي بلاده والتمتع بحياة الحرية، لكننا غداً مضطرون إلي القتال من جديد... أن هذا العالم يبدو وكأن لا مكان لنا فيه... وفي اليوم التالي صُلِب ستة آلاف من العبيد المناضلين علي طول الطريق الممتد من «روما» إلي «كابو»...
لقد ضحي هؤلاء بحياتهم ثمناً للحرية، لكن جاء يوم انطلق فيه صوت المقهورين مدوياً كالرعد في كل مكان ليضع نهايةً لعهود الاستعباد... حقاً تبدو صفحات التاريخ مليئة بالقهر والألم والدماء، لكن ما بها من مرارة واضطهاد يجعلنا أكثر تقديراً للحرية وإحساساً بروعتها...
لقد مرت أيام سيطر خلالها على الأرض طغاة مثل آتيلا وجنكيز خان وهتلر، لكننا الآن في عصر الاتصالات العالمية وتداول المعلومات وهو عصر التمييز يتميز بامتزاج الثقافات وتطور التعاون بين الشعوب بشكل يقض مضاجع الظلمة والمعتدين... إن التاريخ لن يتوقف أبداً عن التقدم بشكل يتحدىكافة العقبات علي طريق التحرر، وها هي الإنسانية قد حررت نفسها من قيود النظم الاجتماعية والسياسية البالية ونراها تمضي قدماً إلى الأمام.
غير أن هناك صرخة ما زالت تتردد وحدها دون جواب ويكاد التاريخ يطويها في أعماقه.. إنها صرخة «عبيد العبيد» إنها صرخة المرأة، تلك المخلوق الذي تحمل أبشع ألوان الظلم ألا وهو التمييز بين الجنسين الذي تمتد جذوره بعيداً في تاريخ البشر إلى درجة جعلت تصور وجوده أمراً لا يخطر ببال... لقد نظر الناس طويلاً إلى التمييز ضد المرأة، لا على أنه لون من ألوان الظلم، بل الأسلوب الطبيعي للتعامل معها...
إن النساء يعانين من عبودية مزدوجة، مرة مثل كافة العبيد وشأن كل المظلومين الذين تعرضوا للاستغلال خلال كل أحقاب التاريخ، ومرة أخرى لكونهن نساء... إن قيود الرق محفورة في تاريخ المرأة، وصوتها المخنوق لا يغيب بين صرخات المظلومين...
وقد قالت «سيمون دي بو وار» في محاولة لتركيز الأضواء علي الأبعاد الحقيقية للظلم علي الصفحات الغابرة التي كاد يطويها النسيان: «إن كافة الطبقات المغبونة لم يكن لها وجود في يوم ما، لكنها ظهرت بعد ذلك تباعاً»، غير أن المرأة كانت دائماً موجودة، ومعها الظلم المفروض عليها بحكم تكوينها الطبيعي والذي بات معه وصف «إمرأة» مهانة في حد ذاته في عرف الرجل الذي نظر إليها على أنها رمز للمذلّة والاستغلال الجنسي...
إن تاريخ المرأة يروي الظلم الواضح الذي أثر بعمق في حياتها وأبسط حقوقها الأساسية... والمذهل أن علاقة المرأة بظالميها في كل مكان علاقة متميزة تجعلها غير قادرة على مجرد التفكير في رفض السادة المفروضين عليها، ناهيكم عن التخلص منهم لأن الرباط الذي يجمعها بهم أبدي، وهذا في حد ذاته يجعل المأساة كاملة الفصول والأبعاد...
عداء حكام إيران للمرأة
قلنا إن المأساة تصل ذروتها عند ما تظن النساء أن أسرهن بيد ظالميهن أمر أبدي... إلا أن المرأة تعيش مأساة أكثر مرارة في بلدنا الاسير إيران الذي يعيش تحت عسف حكام إيران المجردين من الإنسانية.. فهم لا ينظرون إليها على أنها ستظل عبداً إلى الأبد فحسب، بل أنهم يشككون في إنسانيتها... إن أحداً لا يستطيع الحديث عن المرأة وحركتها المطالبة بالمساواة دون تعريض نفسها لعداوة وبربرية حكام إيران المتعصبين...
إن المرء لا يدري عن أي جانب من جوانب هذه المأساة القاسية المريرة يتحدث... هل أحكي لكم عن مئات النساء التي تتعرض للاعتداءات في الطرقات كل يوم، أو اللاتي يعتقلن ويجلدن؟ أم تلك السيدات الفاضلات اللاتي يجبرن على توقيع اعترافات بأنهن ساقطات لمجرد ارتدائهن ثيابًا لا تروق ألوانها للطغاة أو لتسلل خصلة شعر من غطاء الرأس؟ أو أحدثكم عن النساء اللاتي يرجمن بالحجارة بوحشية حتى الموت؟
هل أروي لكم حكاية مأساوية عن فتيات لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات يتهاوين ويقضين نحبهن من فرط الضغوط النفسية والبدنية، غير أن هؤلاء الصغار الذين يلجؤون إلى الانتحار فراراً من عذابات الحياة...
وفي أوائل عام 1992 نشر الإعلام الذي تسيطر عليه الحكومة أنه في المناطق الفقيرة في شمالي خراسان وسيستان وبلوجستان (جنوبي شرق إيران)، يباع صغار الأطفال لقاء ستين أو سبعين دولاراً للطفل... وفي شمال خراسان وحدها تم ترك 1700 امرأة على حالها في الأزقة والشوارع.
لعلكم سمعتم عن مأساة ملايين البنات اللاتي يعملن في حياكة السجاد في إيران... فهن يعملن في أماكن رطبة قذرة يصبحن فيها عرضة للإصابة بالشلل أو السل الرئوي والعديد من الأمراض... هؤلاء البنات يفقدن زهرة صباهن في إنتاج السجاد...
هل أحكي لكم عن جموع النساء اللاتي يعملن في المكاتب أو التدريس أو العاملات اللاتي فُصلن من أعمالهن لمجرد كونهن نساء؟...
تشير بيانات أخرى تتضمن الإحصاءات الوطنية في عام 1986 إلى أن نسبة تسع في المائة (9%) فقط من العاملين كانوا من النساء... ومن حينها وضع النساء الوظيفي يزداد سوءاً...
هل أعيد سرد مآسي ملايين الأرامل اللاتي يعشن بلا مأوى، والأطفال المتشردين الذين وقعوا ضحايا الحرب الخيانية، وآلام التشرد والمذلّة والمهانة، وضغوط الفاقة وعذاب الاغتصاب والقهر؟ هل أحدثكم عن المقاومة الأسطورية وصمود آلاف النساء أمام التعذيب الوحشي والإعدامات عقاباً على عدم طاعتهن للطغاة وكهنة التعصب باسم الدين وعلى انضمامهن لفصائل المقاومة من أجل الحرية؟
هل أصف لكم القسوة والوحشية التي تجعل من نظام الكهنة يرسل بالجدات العجائز والنسوة الحوامل وصغار البنات إلى فرق الإعدام رميًا بالرصاص دون مجرد التحقق من شخصياتهن؟...أم أقص عليكم الحكايات المرعبة عن الشابات اللاتي تعرضن لأبشع أساليب التعذيب والاغتصاب وسحب دمائهن في اليوم السابق لإعدامهن... وكل ذلك وفقاً لأوامر وفتاوى رسمية من حكام إيران... وأود التأكيد هنا أنه ومن دون شك لن يعفو الله سبحانه وتعالى ولا الشعب ولا التاريخ أبدًا عن هذه الجرائم وأن هؤلاء المجرمين سوف يحاسبون ويساءلون عما ارتكبوه من الجرائم البشعة، كما سوف تسأل أولئك الطاقات «الموؤودة»: «بأي ذنب قتلت»؟
فسلامٌ على أرواح أولئك الشهيدات البطلات في سلاسلهن، واللاتي رفضن الاستسلام رغم قسوة التعذيب، ومن واصلن المقاومة في سبيل الحرية وواجهن الصعاب في تحد عظيم من أجلها، حاملات المشاعل أمام الباحثين عنها... نعم، لقد صدقت أشرف رجوي حين قالت: «إن العالم لا يدري شيئاً عما يحدث في إيران، وما يتعرض له الشعب، خاصة النساء في بلادي منذ سنوات»...
لقد أعلن رئيس قضاء النظام، يزدي، رسمياً أن المرأة تحتاج إلى تصريح من زوجها قبل أن تغادر منزلها ولو لحضور جنازة أبيها... (صلاة الجمعة، 72 نوفمبر/ تشرين الثاني 2991)»...
ويقول «آذري قمي» أحد مُنظري النظام: «إن الولي الفقيه (وهو القائد الأعلي للنظام) يستطيع تزويج الفتيات قسرًا ورغماً عن إرادتها وإرادة والدها...».
وقال صدوقي، الذي كان ممثل الخميني في وسط إيران، ذات مرة خلال لقاء له في مجلس الخبراء: «إنه لمن العار والفضيحة العظيمة أن تصبح امرأة رئيسة للدولة أو الوزارة»...
وفي دروسهم الدينية يحاول حكام إيران تبرير أكاذيبهم الفاضحة، فيقولون أن هناك ثلاث طوائف ينبغي الكذب عليها: النساء والكفار والمنافقين! لكن ذروة خبث هؤلاء المعادين للإنسانية تطفو إلى السطح عند ما ينسبون جرائمهم ضد المرأة ومزاعمهم الرجعية إلى الإسلام. فيما يؤكد الواقع أن هذه الجرائم والبربرية لا يقصد منها غير التمسك بالسلطة. «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً» (صدق الله العلي العظيم).
لقد ثارت نساء إيران ضد هذا الوحش الذي هب من أعماق عصور الجاهلية المظلمة والذي يقوم على عدائه للمرأة والعنصرية الجنسية... إن هذا الوحش الرهيب ليس عدواً للشعب الإيراني وحده، بل هو أيضاً في حرب ضد الإنسانية والبشرية جمعاء...
التطرف... خطر يهدد العالم
من طهران، القلب النابض للرجعية والتحجر، بدأ أخطبوط التطرف يمد أذرعه الملوثة بالدماء إلى الدول والمجتمعات الإسلامية في كافة أنحاء العالم، مستغلاً العقيدة الدينية لأكثر من مليار مسلم التي يروج من خلالها لمطامعه التوسعية وليصدر الفوضى والأزمات... إن السياسة الخارجية لحكام إيران تقوم على التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الإسلامية، وإصدار الفتاوى بقتل المواطنين الأجانب وشن الحملات الإرهابية في الخارج... كما أنهم يبددون أموالاً هائلة في شراء الأسلحة من كل لون ونوع، خاصة أسلحة الدمار الشامل الكيمياوية والجرثومية والنووية...
إن سياسة خارجية بهذا الشكل لا تعدو كونها من نتائج طبيعة المتطرفين... إن هذه الحقائق تظهر بوضوح كيف يهدد شبح الفاشية المتسترة بغطاء الدين السلام العالمي، وهي تستدعي ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته وتصديه لهذه الظاهرة الخطرة والقضاء عليها...
إنني أكرر هنا أن هؤلاء الرجعيين الذين يقهرون الشعب الإيراني وخاصة النساء بدعوى الانتساب بالدين، لا علاقة لهم بالإسلام، إنما هم محتالون باسم الدين يستغلون الإسلام لتحقيق مآربهم غير المشروعة...
إن الإسلام هو دين السلام والحرية والتحرر والمساواة والحب والرحمة، بينما عقلية حكام إيران المتعصبين تقوم علي البطش والعداوة والجهل وهي عقلية نقيض وعلى حرب مع مبادئ الإنسانية وسلام العالم، بل إنها تمادت في ذلك وتجاوزته إلى أمور أثارت قلق العالم. ففي عام 1993 عارض النظام الإيراني في مؤتمر حقوق الإنسان في فينا مبدأ عالمية حقوق الإنسان... كما عارض حق المرأة في استخدام موانع الحمل في مؤتمر تنظيم السكان الذي انعقد في القاهرة عام 1994 ... وعارض مبدأ المساواة بين الجنسين في مؤتمر المرأة الذي انعقد في بكين عام 1995 ... وحتى الآن لا يزال النظام الإيراني مصرّاً على مواصلة الإرهاب وإثارة العدوان ومعاداة السلام...
النساء... حماة التحالف الدولي ضد التطرف
لقد أخفق المجتمع الدولي طويلاً في إظهار الحساسية الواجبة ضد خطر المتلاعبين بالدين والإرهابيين الطغاة الذين يحكمون إيران ويواصلون استغلال كل فرصة ممكنة للاستفادة من هذا التسامح، ويجعلون، من خلال الإرهاب، سياسات الدول بل ومواقفها المبدئية رهينة لهم الأمر الذي يجعل من الحزم السبيل الوحيد للتعامل مع نظام بهذا الشكل، إن ذلك لا يمثل التزاماً أخلاقياً وإنسانياً فحسب، بل إنه ضرورة سياسية وتاريخية أيضاً... إن مستقبل الديمقراطية والتقدم والسلام في العالم يحتاج بشدة إلى مثل هذه السياسة الحازمة.
ونحن هنا بحديثنا عن المرأة وحركتها نحو المساواة وجهادها ضد التطرف، نؤكد أنها ليست فقط حاملة لواء الكفاح من أجل المساواة، بل وهي القوة الدافعة خلف التقدم والسلام والعدالة الاجتماعية... وفي هذا المضمون نجد أن توصيات مؤتمر المرأة
وجود النساء في القيادة ضرورة
إن القضاء على نظام التمييز الجنسي وتحقيق تغيرات كبيرة في مجال المساواة يستلزم تمكين المرأة من التأثير الملموس على القيادة السياسية لفترة من الزمن.. ان هدف هذا الدور البارز في القيادة هو ضمان المساواة واستئصال شأفة القهر الجنسي، وليس تحقيق مساواة كهنوتية رجعية للمرأة في ظل التطرف... فهكذا يبدو واضحاً أن التحرر هو جوهر النضال وأهم إنجازاته، لأن إستئصال شافة القهر كفيل بإطلاق الطاقات المحررة لتقذف بالعوائق التي تقف في وجه المجتمع الإنساني المعاصر ولتساعد في إرساء قواعد نظام جديد للعلاقات الإنسانية على مستوى المجتمعات المحلية والعالمية...
إننا نعيش الآن في العصر العظيم لتحرير المرأة التي كانت ضحية قرون طويلة من القهر التاريخي الظالم... وسوف تعكس صرختها اليوم أصوات كل المقهورين، لتكون صيحة مدوية تعبر عن كل من لا صوت له... صوت الأطفال والمتشردين الذين لا يفتقرون إلى الخبز فحسب، بل إلى العطف والتعاطف.
لقد جاء دور المرأة لتتمرد ضد كل ألوان الظلم ولتنهض للقضاء على القهر والتمييز الجنسي، ولتساهم في توحيد المرأة والرجل في كيان إنساني واحد. لا بد للنساء من التمرد لمنح فرصة جديدة للمجتمع الإنساني كي يطيح بكل أعمدة الظلم ورموز القهر القائمة ويخط مساراً جديداً.
تجارب المرأة في المقاومة الإيرانية
اسمحوا لي بالتحدث عن إنجازات المرأة في المقاومة الإيرانية... انها انجازات تعد في حقيقة الأمر إضافة إيجابية لكفاح المرأة في كل مكان من أجل المساواة... إننا نتطلع إلى شقيقاتنا وأفكارهن وتجاربهن لدعم جهودنا وزيادة إنجازاتنا...
فبعد قرن من المساهمة الإيجابية في كفاح المجتمع الإيراني، وجدت المرأة الإيرانية نفسها وجها لوجه أمام عسف الدكتاتورية الإرهابية المتعصبة التي تحكم إيران باسم الدين... إن وحش الرجعية والتخلف قد عاد إلى الحياة ليقذف بالبلاد في مشاكل صعبة لا حصر لها... فيجب على المرأة أن تحمل رسالة تقضي باستحالة التهاون أو الإستسلام... وقد ساهمت المرأة في الكفاح السياسي ونهضت لتقاوم الرجعيين دفاعاً عن الحريات والديمقراطية، وهي الآن تنقل إلى العالم صرخات المقهورين المكبلين بأغلال الظلم أبناء الأمة الإيرانية العزيزة الفخورة بنضالها العنيد...
وقد حققت المرأة الإيرانية خلال عقدين من النضال انتصارات ضمنت لها مراكز قيادية في حركة المقاومة... فهناك أغلبية من النساء في برلمان المقاومة تمثل أكثر من نصف عدد أعضاء البرلمان، كما ان القيادة العامة لجيش التحرير الإيراني تشكل بصفة رئيسية من النساء، وهن أيضاً يشكلون إجمالي أعضاء مجلس قيادة المجاهدين الذي يعد المحور الأساسي للمقاومة... وتساهم النساء أيضاً في القيادة والإدارة في العديد من مستويات السلك العسكري والفني والوحدات التخصصية التابعة لجيش المقاومة بالإضافة إلى الهيكل السياسي والتنظيمي للمنظمة... وقد كان لدور المرأة القيادي أثر واضح في الإطاحة بالفصل بين المرأة والرجل والعمل وجعل التمييز الجنسي تاريخاً لن يعود..
قفزة هائلة نحو تحرير المرأة
منذ إثني عشر عاماً، أدركت حركة المقاومة وهي في معركة الحياة أو الموت ضد حكم الملالي ضرورة تبوّء المرأة لمسؤوليات أكبر وأهم في هذا المنعطف التاريخي... وقد لعبت نساؤنا دوراً عظيماً في القتال ضد نظام الحكم في إيران، رغم وقوف الشكوك والمخاوف حول قدراتها حجر عثرة في طريق التغيير.
ان تجاربي في الكفاح النسائي جعلتني دائماً ما أري قصص الكفاح تختلط فيها البطولة مع المأساة بشكل عادة ما يدعو إلى السخرية... وهذا يعكس السيطرة العميقة للقصور الرجالي للمرأة في ثقافة المجتمعات...
وقد أظهرت تجارب منظمتنا التي تقاتل الملالي الطغاة بطولة النساء وتضحية عشرات الآلاف منهن بالحياة مما لم يترك مجالاً للشك في جدارتهن بالمساواة وحتمية الإطاحة بالظلم القائم على التمييز الجنسي... إنني كثيراً ما أتساءل: ماذا تبقي للمرأة أن تفعل حتى تثبت وجودها للآخرين كيف يمكن التشكك في قدرة النساء اللاتي هزمن القتلة في السجون بأيديهن المجردة على التعامل مع متطلبات السياسية أو الإدارة اللازمة لإدارة شؤون العمل والحياة؟ هل من المعقول أن تكون كل هذه الإرادة والأحاسيس الجياشة قد خلقت فقط للعناية بالأزواج في المنازل؟ إنني أرى ذلك عسيراً على التصديق!
ولعله من المؤسف أن هؤلاء النساء لم ينظرن إلى أنفسهن كمصدر جدير بكل إعجاب للبطولة والقدرة على التغيير... فرغم كل ما قمن به من انجازات مذهلة، فإن واقع الحال يشير إلى عدم إيمان الكثيرات بقدراتهن... وهذا في حد ذاته يتطلب ثورة داخلية على الذات للقضاء على هذه السلبية الخطيرة... ولهذا فقد أدركنا أن التغيير التدريجي لن يجدي ومن ثم استخلصنا أن الحل الوحيد لكسر هذه العراقيل يتلخص في مشاركة المرأة في القيادة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق