الأحد، 15 مارس 2009

ليبراليه بدون ليبراليين للأستاذ حافظ هريدى


ليبرالية بدون ليبراليين حافظ هريدي

هل تذكرون تلك الحدوتة التي كان تقص علينا و نحن أطفال عن ذلك الرجل الذي شعر بقرب منيته فجمع أولاده و مرر عليهم ، واحدا واحدا ، حزمة من العصي ليحاولوا كسرها ففشلوا جميعا ، و لكنه ما أن قام بفك الحزمة و مرر العصي فرادى على أولاده حتى استطاع أضعفهم أن يكسرها جميعا بسهولة ؟أعتقد أننا جميعا نتذكر تلك الحدوتة التي لابد و أنها قد مرت أيضا علينا اما في مناهجنا الدراسية أو في قصص الأطفال التي كنا نشتريها ، و أعتقد كذلك أننا جميعا أدركنا مغزاها الذي صار له رنين الشعارات السياسية البراقة : " في الاتحاد قوة "اذا كنتم تذكرون هذه القصة التي تمجد فكرة الاتحاد والتوحد فهل يستطيع أحدكم أن يذكر – في المقابل - قصة أو حدوتة مماثلة توضح أهمية التعددية و التنوع بين البشر ؟ أو تؤكد على حق الفرد في تكوين رأيه بشكل مستقل عن رأي الأغلبية أو الجماعة أو آراء السابقين ، وأنه قد يثبت في النهاية أن هذا الرأي الفردي – و ربما غير المسبوق - كان هو الأصح ؟ .. أكاد أجزم أن ذاكراتنا جميعا تخلو من أمثال تلك الحواديت و القصص.أكاد أجزم بذلك لأننا جميعا نتاج تربية و ثقافة و اعلام قائمين على أهمية اصطفاف الناس جميعا وراء راية واحد و مذهب واحد وقائد واحد ، و أن من يخرج عن هذا الصف اما مارق أو خائن أو كافر ، فاذا ما سقطت هذه الراية - أو رحل ذلك القائد - فعلينا على الفور أن نبحث عن صف آخر نصطف جميعا وراءه . فلا أذكر أن مدارسنا أو اعلامنا أو مؤسساتنا الثقافية قد تطرقوا - في يوم من الأيام - لشرح أنه اذا كان " في الاتحاد قوة " فإن " في التنوع ثراء " و ان " في التعددية حصانة من الطغيان " و ان " الاختلاف هو الوسيلة الوحيدة الناجعة لتوليد الأفكار و البدائل الجديدة ".و لأن هذه المؤسسات جميعا لم تطرح مثل تلك الشعارات أبدا ، و لأن حواديتنا لم تطرح مثل تلك الأفكار قط ، فقد كان من الطبيعي أن يثمر ذلك كله عن تلك الحالة الفريدة التي تميز الليبرالية المصرية و هي أنها " ليبرالية بدون ليبراليين " !!و مما زاد من تفاقم هذه الحالة هو أن أغلب الليبراليين المصريين هم - في حقيقتهم - مجرد نازحين الى التخوم الليبرالية من مواقع فكرية أخرى سواء كانت ماركسية أو قومية بل و في بعض الأحيان اسلامية ، لذا فعادة ما تنعكس أساليب التفكير التي نشأوا عليها على أرائهم و مواقفهم ، و لعل أخطر ما جلبوه معهم من مواقعهم الفكرية السابقة هو أسلوب التفكير الذي يؤكد على أنه يجب أن يكون " الكل في واحد " ، فكل تلك المذاهب قامت - في أصولها الأولى على الأقل - على ضرورة أن ينصهر المجتمع كله في نظرية و رؤية بل و تنظيم واحد ، فالماركسيون كانوا مع ديكتاتورية البروليتاريا و حزبها ، و الناصريون راهنوا على تحالف قوى الشعب العاملة ، أما الاسلاميون فلا يغيب على أحد تصنيفاتهم الشهيرة عن حزب الله في مقابل حزب الشيطان ، و فسطاط الحق في مقابل فسطاط الباطل ، و الفرقة الناجية من بين اثنتين و سبعين فرقة هالكة ..الخفهل يمكن أن يكون هناك أمل في ليبرالية حقيقية يصنعها مثل أولئك المهاجرون الجدد الى الساحة الليبرالية ؟ .. أعتقد ان المراهنة يجب أن تكون على الأجيال الجديدة .. نعم فلنراهن عليهم و لكن ليس قبل أن يكون لدينا تعليم يؤكد على أن الحق لا يمكن أن يكون كله في جانب واحد .. و اعلام يحتفي بالاختلاف في الرأي .. و الأهم من ذلك كله .. أن تكون لدينا حواديت تؤكد أن حرص كل فرد على تكوين آراءه الشخصية باستقلالية هو أم الفضائل ، و أن حرص المجتمع او الأغلبية على الاصغاء الى المختلفين عنهما في الرأي هو الفريضة الغائبة بعينها .. و .. توته توته .. فرغت الحدوتة.نشر بجريدة المال يوم الأحد 15 مارس 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق