كلما فتحت قناة دينية، يتكلم من فيها عن الضعف الذي تعانيه الأمة، وجدت "الأخ" فيها يتكلم عن كوننا ينقصنا الدين وتطبيق الدين والحكم بأمر الله، في تفسير ضيق للغاية للقرآن الكريم وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام. يُشعرني وقتها، أنني لست مسلم، ولم أقرأ سيرة الأمة الإسلامية ورسولها الكريم. يُشعرني وكأنه لم يتعمق في تاريخ الأمة، وقت أن كانت، كما يقول. فلم تكن دولة الرسول ثيوقراطية بالمعنى المفهوم لتلك الكلمة، لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يستشير الصحابة في كثير من الأمور. بل كان الصحابة يأخذوا القرار في الكثير من الأحيان، فيوافق الرسول عليه الصلاة والسلام عليه. أي أن الأمر وفي كثير جداً من الأحيان، لم يكن بالأمر الإلهي، الذي ينفذه الرسول، ولكن حكمة العقل والتفكير. كان المكيدة والحرب في المعارك، وكان عقلانية الدنيا في الحياة. فلقد كان لدي الصحابة أيضاً عقول يُفكروا بها، ولم يكونوا يُساقون هكذا، ولا يُفكرون.لقد كان إيمانهم بالرسالة في حد ذاته، نابع عن تفكير، ولم يكن القرآن بعد قد نزل كاملاً، كما نعرفه اليوم. وإنما كان القرآن كاملاً في حجة الوداع. وبالتالي، كان الناس يتحركون بحرية وفقاً لحدود العقل، وباخلاص في تحركاتهم، هادفين وجه الله. ووجه الله، هو العقل، الذي لا ينافي معايير الأخلاق، والذي ينشد الخير، تماماً مثلما يتحرك معظم البشر على تلك الكرة الأرضية، لأن الأغلبية العظمى تعرف الفرق بين الخير والشر، وتستهدف الخير في طريقها.وأراني مندهشاً، أن يقول شخص ما، أن الدين ينقصنا، وأنا أُشاهد أغلب ما حولنا يدور في كنف الدين وهو أمر أرفضه، لأن الدين ثابت، بينما الحياة متغيرة. أن يدور كل شئ في إطار معيار الخير شئ، وأن يدور في إطار معيار الدين أمر آخر. فالخير جزء من الدين، ولكن الدين أشمل لأمور جمة، وبالتالي فان ما يدور في إطار مقاييس دينية، إنما يصبح غامض ومشتت ويحتمل الكثير من التفسيرات، وفي النهاية قال الرسول صلى الله عليه وسلم، لكل واحد منا، "إستفتي قلبك ولو أفتوك". لم يُخصص الرسول حديثه لشخص بعينه، ولكنه كان للتدليل على أن يكون للناس عامة، والجميع يعرف أنه لا كهنوت في الإسلام، وبالتالي فان الإرشاد اليومي في في شئون الحياة، إنما يرجع لكل شخص على حدة. فهو يستفتي قلبه ولا يستفتي من دونه. هو يرتاح للفعل أو القرار الذي يتخذه، وفقاً لعقله وقلبه، وهنا يصبح الدين ديناً، لأن "التقوى" محلها القلب الإنساني لكل واحد منا.وكل ما سبق مقدمة، تنفي أن ما ينقصنا اليوم هو الدين، ونحن نُشاهد الناس حولنا وقد ملأتهم "مظاهر" هذا الدين، حتى فاضت وتحرفت في كثير من الأحيان لتُصبح جزء من الدين أو زينة تُظهر الدين للخارج، بينما الداخل الإنساني منشغل بأشياء أخرى عند إظهار هذا الدين. وأغرب ما أرى، أن الكثير منا يتشدق بالدين إلى درجة الثمالة، ثم تجده يطبق التقاليد المحلية لكل دولة منا، بأفضل بكثير من الدين في شكل يتعارض مع الدين كلياً. أو أنه يتطرف في تطبيق الدين بما ليس فيه، بحيث يُغالي، وكأنه يقول لنا أن التدين الشديد هو الموصل للجنة، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أبرز مثال، بأن هذا ليس ديناً، عندما فضل من يعمل على من يقضي يومه وليله في المسجد.إن التطرف أو التظاهر بالتدين، ليس من الإخلاص في شئ، ولن يستطيع شخص، مهما كان أن يخدع خالقه. والأفضل، هو الإخلاص في أي عمل. وأجدني أصر على أننا لسنا مخلصين في مُعظم شئون حياتنا. نحن غير مخلصين سواءً كنا حكاماً أو محكومين. نحن لسنا مخلصين سواءً كنا رجال دين أو مدنيين. نحن ينقصنا الإخلاص في العمل وفي الدين معاً. فنحن يهمنا أن "يُقال" عنا، وليس أن نقول عن أنفسنا. لا تطمئن قلوبنا إلى أننا عملنا، ولكن نعمل، في مُعظمنا، لنكون قد أدينا ما يجب أن نؤديه. هكذا، ودون أهمية إلى ما إذا كان ما قُمنا به صالح أو طالح! وكأن لسان حالنا، "طُلب منا، وقد أدينا، فماذا يريدون أكثر من هذا" وكأننا نعمل من أجل الآخر وليس من أجل أنفسنا، وليس من أجل دنيانا وآخرتنا. نعمل، ليس لتعمير الأرض أو إبداع شئ جديد، ولكن لكي نكون قد أدينا ما علينا من حيث الكم وليس من حيث الكيف!! نعمل لنقول أننا عملنا وليس لكي يرتاح بالنا أننا أبدعنا!إن ما ينقص أمتنا، لهو الإخلاص. لا ينقصنا الدين ولا تنقصنا مظاهره، ولكن ينقصنا الخشوع في الأعمال، سواء كانت للدين أو الوطن. مُعظمنا يعمل لسلطة أو مال أو شهوة أياً كانت، وليس لوجه الله. عُقدت الأمور، سواءً دنيا أو دين، من قبل قلة أو كثرة، لكي يُصبح للبعض أو للكل سلطة، كلُ في مجاله، على الناس، يأمر وينهي ويتحصل المال يُزكم بها الجيوب، ويحيا ويقول أنه فعل وفعل، وهو لم يفعل بل نافق وقام "ظاهرياً" بالكثير، فأصبحت الأمة "ظاهرياً" قوة، وفي الباطن ضعف وإهتراء. أخلصوا أعمالكم لوجه الله، فان في الإخلاص الخلاص، وفيه قوتكم. أعملوا لتنجزوا على أكمل وجه ممكن، كي نكون، فدون إخلاص، لن نكون ولو كنا في بروجٍ مُشيدة! أعملوا ولا تأمروا الناس وتنسون أنفسكم، لأن الله لا يُخدع. الإخلاص، هو من أهم الحلول من أجل القوة والرفاه والمجد. لا تعملوا من أجل أن يقول شخص أو يرى، ولكن من أجل أن يرتاح بالكم، وتواجهوا وجه الكريم وأنتم في صدق مع أنفسكم ومع الآخرين. إننا أمة ينقصها الإخلاص، لا الدين، فهل تعقلون وتتفكرون؟
الاستاذ موريس صادق بين حرية التعبير والخيانه العظمى
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق