ألشيخ حسن البنا يمجد اليهود
مرت في الثاني عشر من فبراير 2009، الذكرى الستون لاغتيال الشيخ حسن البنا، مرشد حركة الاخوان المسلمين في مصر، وقائدها ومفكرها، ومؤسس الاسلام السياسي، الحزبي، والحركي.. في العالم العربي المعاصر!
وقد تم الاغتيال يوم 1949/2/12، بعد اقل من شهرين من مقتل رئيس الوزراء المصري «محمود فهمي النقراشي» (1948/1888)، الذي قتل برصاص أحد اعضاء التنظيم السري، أو «الجهاز الخاص»، لجماعة الاخوان المسلمين.
تولى «النقراشي باشا» عدة وزارات قبل توليه رئاسة الوزراء عام 1945 اثر مصرع أحمد ماهر. وكان «النقراشي» في نظر جهاز الاخوان الخاص، «غبيا متغطرسا أحمق، اطلق عليه بعض اخواننا اسم (ابوجهل)». [انظر كتاب عضو التنظيم أحمد عادل كمال، «النقط فوق الحروف: الاخوان المسلمون والنظام الخاص». القاهرة 1987، ص132].
وقد ظن «النقراشي»، بعد حادثة اغتيال احمد الخازندار و«حادث الحبيب»، حيث تم ضبط الكثيرين من اعضاء الجهاز الخاص، انه قبض على جميع قادة التنظيم، غير انه كان مخطئا. اذ تقول بعض التقديرات ان المنتمين لجهاز الاخوان الخاص عام 1948 كان اكثر من الف عضو، الى جانب 75 الفا في حركة الجوالة، بل قيل في تقدير البيومي عشرة آلاف عضو في الجهاز. [زكريا بيومي، الاخوان المسلمون والجماعات الاسلامية. مكتبة وهبة، القاهرة، 1979، ص130].
وقد افلتت من البوليس السري مجموعة من اعضاء الجهاز السري، وعلى رأسهم مسؤول النظام الخاص عن مدينة القاهرة «سيد فايز»، الذي كوّن سرية من ستة افراد لقتل «النقراشي». وقد افلح احدهم، وهو «عبدالمجيد حسن»، في اغتيال رئيس الوزراء يوم 28 ديسمبر 1948، وهو يدخل مصعد وزارة الداخلية. [عبدالعظيم رمضان، «جماعات التكفير في مصر». القاهرة 1995، ص83]. ويضيف رمضان نفسه: وردت السلطة، في اجراء غريب، بمقابلة الارهاب بالارهاب، حيث القت القبض على قاتل النقراشي، ولكنها قررت في الوقت نفسه تصفية مرشد الإخوان، «اعتقاداً منها بأن قتله يقضي على الرأس المدبر»، فتمت عملية اغتيال حسن البنا على يد الأمباشي «أحمد حسين جاد»، وكسائر الحركات العقائدية والأحزاب والجماعات الدينية، لعب مؤسس الجماعة ومرشدها فيها دوراً محورياً قياديا أبوياً، صعب على من جاء بعده، مثل حسن الهضيبي وعمر التلمساني ومصطفى مشهور ومحمد حامد أبو النصر أن يسدوا الفراغ القيادي الذي تركه الشيخ المؤسس. أما الحركة نفسها فقد واصلت النمو والانتشار لأسباب عديدة.
لم يكتب الإخوان المسلمون حتى الآن فيما أعلم تاريخا مجمعا عليه رسميا لجماعتهم ولا أدري إن كانوا قد جمعوا في كتاب واحد كل كتابات ومقالات الشيخ حسن البنا نفسه، والمتداول من آثار المرشد اليوم على نطاق واسع، مجموعة رسائله وبعض مقالاته في مجلات الإخوان، ومجموعة الخطب التي كان يلقيها في دار الإخوان المسلمين كل يوم ثلاثاء، حتى عرفت بحديث الثلاثاء أو عاطفة الثلاثاء، ولعل هذا ما دفع الكاتب الإسلامي المعروف أ. فهمي هويدي إلى نشر مقاله الأسبوعي «حديث الثلاثاء» في نفس اليوم، احياء لتراث المرشد. وقد قام أحد الاخوان وهو «أحمد عيسى عاشور» بتسجيل خطب المرشد كتابة، وأعدها للنشر عام 1985 في القاهرة بعنوان «حديث الثلاثاء للإمام حسن البنا».
وكان يوم الثلاثاء هذا، يقول «عاشور»، يوماً مشهوداً، «يتجمع فيه الآلاف من انحاء القاهرة.. ومن الاسكندرية إلى أسوان.. بل ومن خارج مصر.. ليستمعوا إلى حسن البنا.. يصعد المنصة في جلبابه الأبيض.. وعباءته البيضاء.. فيُجيل النظر في الحاضرين لحظة.. قبل أن ينطلق صوت تتمثل فيه قوة العاطفة وسحر البيان الذي يصل إلى القلوب»!
تحل الذكرى الستون لرحيل الشيخ حسن البنا، والجماعة لا تزال قوية منتشرة في العالمين العربي والإسلامي، بل وكذلك في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها. ولقد أُثيرت الاسئلة على الدوام، حول أثر ظهور الاخوان في علاقة المسلمين في مختلف المجتمعات بغير المسلمين، وبخاصة المسيحيين واليهود. ونحن نعرف أن علاقة الاخوان في مصر كانت ولا تزال ربما جيدة ببعض الأقباط. بل المعروف ان «مكرم عبيد»، الزعيم الوفدي القبطي، كان السياسي المصري الوحيد الذي قدم احتجاجاً شديداً ضد قرار الحكومة المصرية في زمن فاروق، الذي أصدرته وزارة الداخلية «بحل جمعية الاخوان المسلمين في طول البلاد وعرضها» يوم 6 ديسمبر 1948 عندما أعلن هذا القرار من الاذاعة المصرية، وحاصرت الشرطة المركز العام للاخوان، واعتقلت جميع الأعضاء المتواجدين، ما عدا المرشد.. ربما تمهيداً لاغتياله.
ويروي الشيخ البنا في مذكراته عن معايشة سكنية مع المسيحيين واليهود في «الاسماعيلية»، في بداية الدعوة. ويقول: «ومن الطرائف اننا بعد أربعين يوماً من نزولنا إلى الاسماعيلية لم نسترح في الاقامة في البنسيونات، فعوّلنا على استئجار منزل خاص، فكانت المصادفة ان نجد دوراً أعلى في منزل، استؤجر دوره الأوسط مجتمعا لمجموعة من المواطنين المسيحيين، اتخذوا منه نادياً وكنيسة، وكنا نحن بالدور الأعلى نقيم الصلاة، ونتخذ من هذا المسكن مصلى، فكأنما هذا المنزل يمثل الاديان الثلاثة ولستُ أنس «أم شالوم» سادنة الكنيسة -اليهودية- وهي تدعونا كل ليلة سبت لنضيء لها النور، ونساعدها في «توليع وابور الجاز»، وكنا نداعبها بقولنا: إلى متى تستخدمون هذه الحيل التي لا تنطلي على الله؟ وإذا كان الله قد حرّم عليكم النور والنار يوم السبت كما تدعون، فهل حرّم عليكم الانتفاع، أو الرؤية؟ فتعتذر، وتنتهي المناقشة بسلام». (مذكرات الدعوة والداعية، دار الشهاب، القاهرة، 1966، ص74 - «الكنيسة» في اللغة العربية تُطلق على معبد اليهود والنصارى).
ولا يتسع المجال هنا لمناقشة دور حركة الاخوان في العقود الستة الماضية منذ اغتيال المرشد. غير أن ظهور هذه الجماعة في اعتقادي، قد ترك في كل مجتمع عربي واسلامي، وأينما ظهر حزبياً، اثارا دينية وسياسية وثقافية سيئة للغاية، اعاقت تطور هذه المجتمعات، وحولت مساراتها نحو طرق وعرة مغلقة! وفي مصر حيث ظهرت أول ما ظهرت عام 1928 تجلت اثارها السلبية في تعميق الفجوة بين المسلمين والمسيحيين، وعرقلة دور المرأة سياسيا واجتماعيا، واغراق الثقافة بالكتب والمفاهيم والقضايا المتعارضة بشدة مع تقدم وتحديث المجتمع، واذا كان المجال لا يكفي هنا لمناقشة كل هذه القضايا، وحوادث «غزة» لا تزال ماثلة، وصراع «حماس»، اخوان فلسطين، مع اليهود لا يزال حدث الساعة، فإننا نود ان نخصص هذا المقال، لبعض ما ورد في «احاديث الثلاثاء» المشار إليها عن «اليهود»!! والتي نقلها بأمانة وصدق كما أشرنا، عضو الجماعة «احمد عيسى عاشور»، وهذا موضوع اشرنا اليه قبل سنوات.. ولكن لا بأس! ولقد هوجمنا مؤخرا من قبل اعلام الاسلام السياسي بسبب موقفنا المعارض لمغامرة حماس في غزة، بعد ان نشر موقع اسرائيلي
المقالات التي كتبها جمع من كتاب العالم العربي. بل طالب د.عبدالله النفيسي في ندوة اسطنبول بأن يتم التعامل معنا بنفس الطريقة التي تتبعها جماعة «العمل المباشر» الارهابية الفرنسية.. بالتصفية!.
والحقيقة انه لم يجرؤ احد منا، نحن المتهمين بكل الوان التهم، من التخاذل الى التبرير والنفاق، على ان تقول في مدح اليهود، واكتشاف نواحي العظمة والمجد في الشعب اليهودي، نصف ما قاله فيهم، وهنا الغرابة الموثقة، الشيخ حسن البنا، قبل نحو سبعين سنة، في خطبة له عام 1940!!.
فقد وقف مرشد الاخوان آنذاك خطيباً بينهم في أمسية يوم ثلاثاء، وقال مايلي بالنص:
«لعل قائلاً يقول: لماذا كانت اكثر القصص التي عُني بها القرآن هي قصة بني اسرائيل؟ ولماذا اخذت الجزء الاوفى من قسم القصص في القرآن الكريم؟».
ومثل هذا السؤال الذي يشير اليه «البنا» في محله تماماً، فالقرآن الكريم يذكر بني اسرائيل نحو اربعين مرة والنبي موسى اكثر من مائة وثلاثين مرة.. الخ.
الواقع يا اخي، يقول الشهيد البنا، «ان لهذا عدة اسباب: السبب الاول: هو كرم عنصر هذا الجنس، وفيض الروحانية القوية التي تركزت في نفسه، لان هذا الجنس قد انحدر من اصول كريمة، لهذا ورث حيوية عجيبة، وان كان قد اساء الى نفسه والى الناس بتوجيه هذه الحيوية فيما بعد الى ما لا ينفع.. انحدر هذا العنصر من يعقوب بن اسحق بن ابراهيم، فورث الروحانية كابراً عن كابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم».. اربعة جدود كل جد منهم رسول.. وقال تعالى: واذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكاً وأتاكم ما لم يؤت احدا من العالمين (المائدة: 20) وقال تعالى في شأن تفضيلهم على اهل زمانهم: وإني فضلتكم على العالمين (البقرة: 122).
الامر الثاني يقول البنا: «ان هذا الجنس يمثل حيوية لم يظفر بها جنس كما ظفروا بها، وكما ان هذه الحيوية كانت مصدر تزكيتهم كانت ايضاً من مصدر غرورهم ونسيانهم المعنى الانساني العام الوارد في قوله تعالى: يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان اكرمكم عند الله اتقاكم (الحجرات: 13).
اما السبب الثالث، كما يقول مرشد الاخوان في خطبته، «فهو انهم ورثة اقدم كتاب سماوي عرف الناس عنه شيئاً، وهو التوراة، وكانوا الصق الناس بالامة العربية في ذلك الوقت».
«اما السبب الاخير: فهو انهم نشؤوا من البدو ثم تكونوا، ثم اضطهدهم العدو، ثم تحرروا، ثم سادوا، ثم تحولوا، فكانوا مثلاً طيباً لتجلية هذه الادوار، وانت حين تقرأ يا أخي القرآن تجد هذا المعنى واضحاً في كتاب الله تبارك وتعالى».
ولكن اين استقر اليهود؟ وما علاقتهم بفلسطين؟ ومتى كان ذلك بموجب تحليل الشيخ حسن البنا في حديثه للاخوان؟
يقول البنا: «رسالة سيدنا موسى عليه السلام كانت في مصر، ونريد أن نتناول صلة رسالته بهذه الأمة» - أي الأمة المصرية!
ثم يقول: «لقد وُجد الإسرائيليون في مصر، وإن كان وطنهم الأصلي فلسطين، وكان اول من اقرهم يوسف عليه السلام، اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا، وائتوني بأهلكم أجمعين.. إلى قوله تعالى وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين (يوسف 99-93).
ثم يقول البنا: «وقد أقطعهم سيدنا يوسف عليه السلام الجهات الشرقية من ارض مصر، وكانت لاتزال ارضاً صحراوية، وإنما أقطعهم اياها لأنهم آتون من البدو، ولأنه اراد ألا يمزج بينهم وبين المصريين الذين كانوا في ذلك الوقت على ديانة وثنية، ويعقوب والأسباط من ابناء يعقوب على التوحيد الخالص، فلم يشأ أن يكون هناك مثار للجدل الديني بينهم وبين المصريين».
إشادة الشيخ حسن البنا إذن. باليهود.. جاءت واضحة! فقد حاول أن يفسر سبب كثرة الأنبياء في بني اسرائيل، واشار بالنص الى «كرم عنصر هذا الجنس»، أي اليهود، و«فيض الرو حانية القوية التي تركزت فيه»! وقال عن الجنس اليهودي إنه «قد انحدر من اصول كريمة، ولهذا ورث حيوية عجيبة»، وأضاف انها «حيوية لم يظفر بها جنس كما ظفروا بها»! وأكد مرشد الإخوان كذلك ان بني اسرائيل «ورثة اقدم كتاب سماوي عرف الناس عنه شيئا وهو التوراة»، وأن اليهود «وطنهم الأصلي فلسطين»!!؟
هذه الآراء والاجتهادات، أعلنها عام 1940 حسن البنا، بحضور جمع وشهود من الإخوان المسلمين. وقام احد الإخوان بتسجيلها بدقة في كتابه المشار اليه. وقد صرح البنا بكل هذا دون ضغط أو اكراه من الحكومة المصرية ودون اي تدخل من الصهيونية أو الموساد، وقبل أن تبدأ مرحلة السادات ومباحثات السلام ويتم توقيع اتفاقية كامب ديفيد.. بـ34 سنة!!
والآن هل يجرؤ أحد الليبراليين، أو دعاة السلام المتخاذلين، على ان يكيل كل هذا المديح لليهود؟
هل للدكتور النفيسي أو الزملاء من الكتاب الإسلاميين ان يدرسوا بعمق تلميحات وتصريحات مرشدهم.. الجريئة؟!
مرت في الثاني عشر من فبراير 2009، الذكرى الستون لاغتيال الشيخ حسن البنا، مرشد حركة الاخوان المسلمين في مصر، وقائدها ومفكرها، ومؤسس الاسلام السياسي، الحزبي، والحركي.. في العالم العربي المعاصر!
وقد تم الاغتيال يوم 1949/2/12، بعد اقل من شهرين من مقتل رئيس الوزراء المصري «محمود فهمي النقراشي» (1948/1888)، الذي قتل برصاص أحد اعضاء التنظيم السري، أو «الجهاز الخاص»، لجماعة الاخوان المسلمين.
تولى «النقراشي باشا» عدة وزارات قبل توليه رئاسة الوزراء عام 1945 اثر مصرع أحمد ماهر. وكان «النقراشي» في نظر جهاز الاخوان الخاص، «غبيا متغطرسا أحمق، اطلق عليه بعض اخواننا اسم (ابوجهل)». [انظر كتاب عضو التنظيم أحمد عادل كمال، «النقط فوق الحروف: الاخوان المسلمون والنظام الخاص». القاهرة 1987، ص132].
وقد ظن «النقراشي»، بعد حادثة اغتيال احمد الخازندار و«حادث الحبيب»، حيث تم ضبط الكثيرين من اعضاء الجهاز الخاص، انه قبض على جميع قادة التنظيم، غير انه كان مخطئا. اذ تقول بعض التقديرات ان المنتمين لجهاز الاخوان الخاص عام 1948 كان اكثر من الف عضو، الى جانب 75 الفا في حركة الجوالة، بل قيل في تقدير البيومي عشرة آلاف عضو في الجهاز. [زكريا بيومي، الاخوان المسلمون والجماعات الاسلامية. مكتبة وهبة، القاهرة، 1979، ص130].
وقد افلتت من البوليس السري مجموعة من اعضاء الجهاز السري، وعلى رأسهم مسؤول النظام الخاص عن مدينة القاهرة «سيد فايز»، الذي كوّن سرية من ستة افراد لقتل «النقراشي». وقد افلح احدهم، وهو «عبدالمجيد حسن»، في اغتيال رئيس الوزراء يوم 28 ديسمبر 1948، وهو يدخل مصعد وزارة الداخلية. [عبدالعظيم رمضان، «جماعات التكفير في مصر». القاهرة 1995، ص83]. ويضيف رمضان نفسه: وردت السلطة، في اجراء غريب، بمقابلة الارهاب بالارهاب، حيث القت القبض على قاتل النقراشي، ولكنها قررت في الوقت نفسه تصفية مرشد الإخوان، «اعتقاداً منها بأن قتله يقضي على الرأس المدبر»، فتمت عملية اغتيال حسن البنا على يد الأمباشي «أحمد حسين جاد»، وكسائر الحركات العقائدية والأحزاب والجماعات الدينية، لعب مؤسس الجماعة ومرشدها فيها دوراً محورياً قياديا أبوياً، صعب على من جاء بعده، مثل حسن الهضيبي وعمر التلمساني ومصطفى مشهور ومحمد حامد أبو النصر أن يسدوا الفراغ القيادي الذي تركه الشيخ المؤسس. أما الحركة نفسها فقد واصلت النمو والانتشار لأسباب عديدة.
لم يكتب الإخوان المسلمون حتى الآن فيما أعلم تاريخا مجمعا عليه رسميا لجماعتهم ولا أدري إن كانوا قد جمعوا في كتاب واحد كل كتابات ومقالات الشيخ حسن البنا نفسه، والمتداول من آثار المرشد اليوم على نطاق واسع، مجموعة رسائله وبعض مقالاته في مجلات الإخوان، ومجموعة الخطب التي كان يلقيها في دار الإخوان المسلمين كل يوم ثلاثاء، حتى عرفت بحديث الثلاثاء أو عاطفة الثلاثاء، ولعل هذا ما دفع الكاتب الإسلامي المعروف أ. فهمي هويدي إلى نشر مقاله الأسبوعي «حديث الثلاثاء» في نفس اليوم، احياء لتراث المرشد. وقد قام أحد الاخوان وهو «أحمد عيسى عاشور» بتسجيل خطب المرشد كتابة، وأعدها للنشر عام 1985 في القاهرة بعنوان «حديث الثلاثاء للإمام حسن البنا».
وكان يوم الثلاثاء هذا، يقول «عاشور»، يوماً مشهوداً، «يتجمع فيه الآلاف من انحاء القاهرة.. ومن الاسكندرية إلى أسوان.. بل ومن خارج مصر.. ليستمعوا إلى حسن البنا.. يصعد المنصة في جلبابه الأبيض.. وعباءته البيضاء.. فيُجيل النظر في الحاضرين لحظة.. قبل أن ينطلق صوت تتمثل فيه قوة العاطفة وسحر البيان الذي يصل إلى القلوب»!
تحل الذكرى الستون لرحيل الشيخ حسن البنا، والجماعة لا تزال قوية منتشرة في العالمين العربي والإسلامي، بل وكذلك في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها. ولقد أُثيرت الاسئلة على الدوام، حول أثر ظهور الاخوان في علاقة المسلمين في مختلف المجتمعات بغير المسلمين، وبخاصة المسيحيين واليهود. ونحن نعرف أن علاقة الاخوان في مصر كانت ولا تزال ربما جيدة ببعض الأقباط. بل المعروف ان «مكرم عبيد»، الزعيم الوفدي القبطي، كان السياسي المصري الوحيد الذي قدم احتجاجاً شديداً ضد قرار الحكومة المصرية في زمن فاروق، الذي أصدرته وزارة الداخلية «بحل جمعية الاخوان المسلمين في طول البلاد وعرضها» يوم 6 ديسمبر 1948 عندما أعلن هذا القرار من الاذاعة المصرية، وحاصرت الشرطة المركز العام للاخوان، واعتقلت جميع الأعضاء المتواجدين، ما عدا المرشد.. ربما تمهيداً لاغتياله.
ويروي الشيخ البنا في مذكراته عن معايشة سكنية مع المسيحيين واليهود في «الاسماعيلية»، في بداية الدعوة. ويقول: «ومن الطرائف اننا بعد أربعين يوماً من نزولنا إلى الاسماعيلية لم نسترح في الاقامة في البنسيونات، فعوّلنا على استئجار منزل خاص، فكانت المصادفة ان نجد دوراً أعلى في منزل، استؤجر دوره الأوسط مجتمعا لمجموعة من المواطنين المسيحيين، اتخذوا منه نادياً وكنيسة، وكنا نحن بالدور الأعلى نقيم الصلاة، ونتخذ من هذا المسكن مصلى، فكأنما هذا المنزل يمثل الاديان الثلاثة ولستُ أنس «أم شالوم» سادنة الكنيسة -اليهودية- وهي تدعونا كل ليلة سبت لنضيء لها النور، ونساعدها في «توليع وابور الجاز»، وكنا نداعبها بقولنا: إلى متى تستخدمون هذه الحيل التي لا تنطلي على الله؟ وإذا كان الله قد حرّم عليكم النور والنار يوم السبت كما تدعون، فهل حرّم عليكم الانتفاع، أو الرؤية؟ فتعتذر، وتنتهي المناقشة بسلام». (مذكرات الدعوة والداعية، دار الشهاب، القاهرة، 1966، ص74 - «الكنيسة» في اللغة العربية تُطلق على معبد اليهود والنصارى).
ولا يتسع المجال هنا لمناقشة دور حركة الاخوان في العقود الستة الماضية منذ اغتيال المرشد. غير أن ظهور هذه الجماعة في اعتقادي، قد ترك في كل مجتمع عربي واسلامي، وأينما ظهر حزبياً، اثارا دينية وسياسية وثقافية سيئة للغاية، اعاقت تطور هذه المجتمعات، وحولت مساراتها نحو طرق وعرة مغلقة! وفي مصر حيث ظهرت أول ما ظهرت عام 1928 تجلت اثارها السلبية في تعميق الفجوة بين المسلمين والمسيحيين، وعرقلة دور المرأة سياسيا واجتماعيا، واغراق الثقافة بالكتب والمفاهيم والقضايا المتعارضة بشدة مع تقدم وتحديث المجتمع، واذا كان المجال لا يكفي هنا لمناقشة كل هذه القضايا، وحوادث «غزة» لا تزال ماثلة، وصراع «حماس»، اخوان فلسطين، مع اليهود لا يزال حدث الساعة، فإننا نود ان نخصص هذا المقال، لبعض ما ورد في «احاديث الثلاثاء» المشار إليها عن «اليهود»!! والتي نقلها بأمانة وصدق كما أشرنا، عضو الجماعة «احمد عيسى عاشور»، وهذا موضوع اشرنا اليه قبل سنوات.. ولكن لا بأس! ولقد هوجمنا مؤخرا من قبل اعلام الاسلام السياسي بسبب موقفنا المعارض لمغامرة حماس في غزة، بعد ان نشر موقع اسرائيلي
المقالات التي كتبها جمع من كتاب العالم العربي. بل طالب د.عبدالله النفيسي في ندوة اسطنبول بأن يتم التعامل معنا بنفس الطريقة التي تتبعها جماعة «العمل المباشر» الارهابية الفرنسية.. بالتصفية!.
والحقيقة انه لم يجرؤ احد منا، نحن المتهمين بكل الوان التهم، من التخاذل الى التبرير والنفاق، على ان تقول في مدح اليهود، واكتشاف نواحي العظمة والمجد في الشعب اليهودي، نصف ما قاله فيهم، وهنا الغرابة الموثقة، الشيخ حسن البنا، قبل نحو سبعين سنة، في خطبة له عام 1940!!.
فقد وقف مرشد الاخوان آنذاك خطيباً بينهم في أمسية يوم ثلاثاء، وقال مايلي بالنص:
«لعل قائلاً يقول: لماذا كانت اكثر القصص التي عُني بها القرآن هي قصة بني اسرائيل؟ ولماذا اخذت الجزء الاوفى من قسم القصص في القرآن الكريم؟».
ومثل هذا السؤال الذي يشير اليه «البنا» في محله تماماً، فالقرآن الكريم يذكر بني اسرائيل نحو اربعين مرة والنبي موسى اكثر من مائة وثلاثين مرة.. الخ.
الواقع يا اخي، يقول الشهيد البنا، «ان لهذا عدة اسباب: السبب الاول: هو كرم عنصر هذا الجنس، وفيض الروحانية القوية التي تركزت في نفسه، لان هذا الجنس قد انحدر من اصول كريمة، لهذا ورث حيوية عجيبة، وان كان قد اساء الى نفسه والى الناس بتوجيه هذه الحيوية فيما بعد الى ما لا ينفع.. انحدر هذا العنصر من يعقوب بن اسحق بن ابراهيم، فورث الروحانية كابراً عن كابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم».. اربعة جدود كل جد منهم رسول.. وقال تعالى: واذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكاً وأتاكم ما لم يؤت احدا من العالمين (المائدة: 20) وقال تعالى في شأن تفضيلهم على اهل زمانهم: وإني فضلتكم على العالمين (البقرة: 122).
الامر الثاني يقول البنا: «ان هذا الجنس يمثل حيوية لم يظفر بها جنس كما ظفروا بها، وكما ان هذه الحيوية كانت مصدر تزكيتهم كانت ايضاً من مصدر غرورهم ونسيانهم المعنى الانساني العام الوارد في قوله تعالى: يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان اكرمكم عند الله اتقاكم (الحجرات: 13).
اما السبب الثالث، كما يقول مرشد الاخوان في خطبته، «فهو انهم ورثة اقدم كتاب سماوي عرف الناس عنه شيئاً، وهو التوراة، وكانوا الصق الناس بالامة العربية في ذلك الوقت».
«اما السبب الاخير: فهو انهم نشؤوا من البدو ثم تكونوا، ثم اضطهدهم العدو، ثم تحرروا، ثم سادوا، ثم تحولوا، فكانوا مثلاً طيباً لتجلية هذه الادوار، وانت حين تقرأ يا أخي القرآن تجد هذا المعنى واضحاً في كتاب الله تبارك وتعالى».
ولكن اين استقر اليهود؟ وما علاقتهم بفلسطين؟ ومتى كان ذلك بموجب تحليل الشيخ حسن البنا في حديثه للاخوان؟
يقول البنا: «رسالة سيدنا موسى عليه السلام كانت في مصر، ونريد أن نتناول صلة رسالته بهذه الأمة» - أي الأمة المصرية!
ثم يقول: «لقد وُجد الإسرائيليون في مصر، وإن كان وطنهم الأصلي فلسطين، وكان اول من اقرهم يوسف عليه السلام، اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا، وائتوني بأهلكم أجمعين.. إلى قوله تعالى وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين (يوسف 99-93).
ثم يقول البنا: «وقد أقطعهم سيدنا يوسف عليه السلام الجهات الشرقية من ارض مصر، وكانت لاتزال ارضاً صحراوية، وإنما أقطعهم اياها لأنهم آتون من البدو، ولأنه اراد ألا يمزج بينهم وبين المصريين الذين كانوا في ذلك الوقت على ديانة وثنية، ويعقوب والأسباط من ابناء يعقوب على التوحيد الخالص، فلم يشأ أن يكون هناك مثار للجدل الديني بينهم وبين المصريين».
إشادة الشيخ حسن البنا إذن. باليهود.. جاءت واضحة! فقد حاول أن يفسر سبب كثرة الأنبياء في بني اسرائيل، واشار بالنص الى «كرم عنصر هذا الجنس»، أي اليهود، و«فيض الرو حانية القوية التي تركزت فيه»! وقال عن الجنس اليهودي إنه «قد انحدر من اصول كريمة، ولهذا ورث حيوية عجيبة»، وأضاف انها «حيوية لم يظفر بها جنس كما ظفروا بها»! وأكد مرشد الإخوان كذلك ان بني اسرائيل «ورثة اقدم كتاب سماوي عرف الناس عنه شيئا وهو التوراة»، وأن اليهود «وطنهم الأصلي فلسطين»!!؟
هذه الآراء والاجتهادات، أعلنها عام 1940 حسن البنا، بحضور جمع وشهود من الإخوان المسلمين. وقام احد الإخوان بتسجيلها بدقة في كتابه المشار اليه. وقد صرح البنا بكل هذا دون ضغط أو اكراه من الحكومة المصرية ودون اي تدخل من الصهيونية أو الموساد، وقبل أن تبدأ مرحلة السادات ومباحثات السلام ويتم توقيع اتفاقية كامب ديفيد.. بـ34 سنة!!
والآن هل يجرؤ أحد الليبراليين، أو دعاة السلام المتخاذلين، على ان يكيل كل هذا المديح لليهود؟
هل للدكتور النفيسي أو الزملاء من الكتاب الإسلاميين ان يدرسوا بعمق تلميحات وتصريحات مرشدهم.. الجريئة؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق