الخميس، 26 فبراير 2009

لماذا لايطلب الأخوان المسلمون السلطه فى مصر ؟؟ بقلم مهدى بندق عن شفاف الشرق الاوسط


لماذا لا يطلب الأخوان المسلمون السلطة في مصر؟

سؤال ربما دار بخلد الكثيرين إبان احتدام أزمة غزة، تلك الأزمة التي بقدر ما كشفت عن وحشية وإجرام إسرائيل، بقدر ما حملت من مخايلات وتوهمات، أغربها أن الوقت قد حان لحمل جماعة الإخوان إلي سدة الحكم، ولو بانقلاب عسكري ( دعا إليه صراحة حليف الجماعة الشيخ حسن نصر الله، وباركت دعواه إيران الفارسية ! ) وكان الظن مبنيا ً على تفسير للمظاهرات الجماهيرية الغاضبة من أجل الشعب الفلسطيني في غزة، بأنها تحمل في طياتها ضيقا ً بالنظام، ورغبة في التغيير من جانب بعض قوى المعارضة الراديكالية.
بيد أنه – ولدهشة هؤلاء الكثيرين – سرعان ما تبددت كل هاتيك الأوهام وتلك المخايلات، لسببين: أولهما: نجاح الدولة بقيادة الرئيس مبارك شخصيا ً في رفع الالتباس عن مسألة معبر رفح، باعتبارها مسألة حدود وطنية تمثل خطا ً أحمر أقسم على حمايته القسم الدستوري. فعل الرئيس هذا بوضوح وحسم، في نفس الوقت الذي دعا فيه حكومته - مشددا ً- إلي تكثيف الدعم اللوجستي طبيا ً وغذائيا ً لأهل غزة أثناء العدوان، وقد جرى ذلك بكفاءة، لا نقول أثلجت صدور المصريين جميعا ً، ولكن نقول خففت من وجيعتهم إلى حد كبير. ولا غرو أن تقود هذه السياسة الرشيدة الجماهير "الغاضبة " إلى إعادة النظر في الموضوع برمته، تفكيرا ً فيه من زاوية أمن مصر القومي،استشعارا ً لخطر فتح الحدود (عمالا ً على بطال ! ) ثم إدراكا ً بأن هذا هو ما كانت تريده إسرائيل: تفريغ القطاع من سكانه، ليصبح نصف الفلسطينيين مشكلة مصرية لا إسرائيلية. وهو أيضا َ ما كانت تريده حماس: مضاعفة أعداد أخوان مصر، وإمدادا ً لهم بزملاء مسلحين، تمهيدا ً للفتح الإسلامي " الثاني " حسب وثائق الإخوان التي كانت سرية ثم ُأعلنت على الملأ !
أما السبب الثاني لتبدد الأوهام التي شاعت –ولو للحظات - حول إمكانية وثوب الإخوان على السلطة في مصر فيتعلق بالإخوان أنفسهم، وآية ذلك إحجام التنظيم عن أية بادرة توحي بأنه قد أعد العدة لمثل هذا السيناريو الذي روج له حزب الله ومن ورائه إيران، وبالتوازي معهما حركة حماس أثناء العمليات الإسرائيلية المدمرة. فلقد بدا أن مغامرة حماس، برفضها تجديد اتفاق التهدئة، قد فاجأت قادة َ الإخوان في مصر، بمثل ما فاجأ رد ُ الفعل الإسرائيلي الساحق المدمر قادة َ حماس ( راجع التصريح المذهول لخالد مشعل بعد وقف إطلاق النار من جانب واحد، والذي يذكرك بنظيره الصادر من نصر الله بعد حرب الجنوب اللبناني ! ) ولعل الإخوان – والأمر كذاك – أن يكونوا قد تبينوا أن مياه الغضبة الجماهيرية ما كانت لتصب في طاحونتهم، تلك التي لم تكن Which never was جراء غياب الإستراتيجية القابلة للتنفيذ، وبالتالي العجز عن وضع برنامج سياسي واضح، يتجاوز حدود الدعوة بالشحن العاطفي الديني الذي يستدعي النماذج التاريخية الماضوية بوصفها أمجادا ً في أمجاد، دون التفات إلى أن تلك النماذج " التاريخية" هي التي شكلت هذا الواقع الحالي. والمفارقة هنا أن الرؤية الإخوانية هي التي تمنع بناء إستراتيجية هدفها انتشال الأمة مما هي فيه من ضعف وتهافت من وجهة نظر المستقبل لا الماضي، وهي التي تغطرش على ضرورة وضع برنامج سياسي قائم على وحدة المواطنة لا العقيدة الدينية، متطلع إلي الظفر بتأييد المجتمع الدولي الذي يطالب أية دولة بالإقرار الكامل بميثاق حقوق الإنسان دون أية تفرقة بين الناس بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو اللغة...الخ
لكن الإخوان "المسلمين " بما هم كذلك لا يمكنهم التسليم بأن الصراع مع إسرائيل ليس صراعا ً بين مسلمين ويهود بل هو صراع سياسي ووطني غايته تحرير الأرض المحتلة، ولا يمكنهم أيضا ً القبول – لأسباب دينية – بفكرة المساواة السياسية الكاملة بين المصريين المسلمين والمصريين المسيحيين، ولا بمقدورهم ثالثا ً الموافقة على أي قانون يساوي بين المرأة والرجل في الزواج والطلاق والميراث. فكيف يمكن لهم إذا تولوا السلطة أن يتواءموا مع المجتمع الدولي، اللهم إلا إذا ما أجبروا علي تغيير أفكارهم وفي هذه الحالة يتوقفون عن كونهم أخوانا ً مسلمين، ليصيروا حزبا ً لبراليا ً، وإن زعم من باب حفظ ماء الوجه أن مرجعيته إسلامية على غرار النموذج التركي. وحتى في هذه الحالة فإنهم سيجازفون بفقدان قواعدهم الجماهيرية، تلك التي تحيى في مواطن البورجوازية الصغيرة والمتوسطة التجارية والحرفية، عاجزة ً – بسبب تقسيم العمل الدولي – عن الانتقال إلي مراكز الإنتاج الصناعي الرأسمالي الكثيف، ومن ثم تظل عاجزة تماما ً عن تغيير أفكارها.
فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه أخوان اليوم بأسلافهم( الحنابلة والأشاعرة ) في عصور الضعف، الذي حط بكلكله على ظهور هؤلاء الأسلاف، حتى ليمكن القول إن الإخوان الحاليين هم الوارثون المعاصرون لأرثوذوكسية المدن الإسلامية التجارية في عصر الدولة الدينية، تلك الدولة التي ألغي شرعيتها سقوط الخلافة العثمانية عام 1923. وقد كانت تلك المدن حريـّة بالانتقال إلي مرحلة التصنيع والمنافسة على الأسواق العالمية، لولا أن فقد العرب والمسلمون– بدء من القرن العاشر– سيطرتهم على مجالهم الحيوي البحري، أولا ً: بهزائم أساطيلهم أمام النورمان في البحر المتوسط، و ثانياً أمام القراصنة الهنود في البحار الشرقية، وثالثا ً أمام الحملات الصليبية المتتالية اعتبارا من عام 1096 ميلادي. فكان على البورجوازية الإسلامية ( سكان المدن ) أن تكتفي بالنشاط الحرفي التقليدي، وبالتجارة الداخلية وبتجارة الترانزيت، هابطة بسقف تطلعاتها المالية والاقتصادية، وبالتالي السياسية إلى ما هو دون تطلعات نظائرها عبر التاريخ،الأمر الذي حتم عليها ألا تجازف بالصراع على السلطة مع الخلفاء والولاة، ومن هنا جاء استسلامها لميراث أيديولوجيات الإقطاع الأموي/ العباسي (وفيما بعد العثماني) القائمة على اقتصاد الفئ والخراج للنخب الحاكمة، واقتصاد الكفاف بالنسبة للشعوب. باختصار لم تعد ثمة فرصة أمام تلك البورجوازية العربية / الإسلامية للانتقال من التبعية للنظم الإقطاعية إلى حالة الثورة عليها.
ذلك هو حقيقة الإرث التاريخي الذي تسلمته جماعة الإخوان من معطيات التاريخ، ويا له من إرث أساسه الأزمة، وفضاؤه الكارثة.
من هنا نستطيع أن نفسر إحجام الجماعة عن ممارسة الصراع على السلطة في هذا الوقت، من حيث أدركت بفضل ذكاء قيادتها – وهذه شهادة حق لا غش فيها – أنها لو فعلت لكانت كمن يلقي بنفسه إلي التهلكة في ذلك البحر اللجيّ. بيد أن الأخطر في هذا الإحجام أنها ( الجماعة أعني ) يقينا ً قد بدأت تفقد ذلك الوهم الذي أشاعته بين الناس من أنها هي الحركة السياسية الأقوى في المجتمع المصري، وبما ترسخ (خطأ ًذاتيا ً عند البعض ) من أنها بلغت مرتبة الهيمنة على
الموروث اللغوي، احتكارا ً لإدارة المقدس، وصياغة ً للهوية والخطاب الجمعي، إلى درجة قول بعض المثقفين ( ومعهم حق ) إن نخب العسكرتاريا الحاكمة قد صارت تنافسها في استخدام وترويج الخطاب الغيبي !
لكن ذلك جميعه أمسي كالماء الذي بلغ درجة الغليان في وعاء ضخم لا غطاء له، فاندفع يتبخر بددا ً جراء عجز الجماعة الإخوانية عن استخدامه كقوة محركة تدير توربينات التغيير (أين هي ؟!) وآية ذلك ما قر عند الناس نتيجة لهذا التقاعس عن خوض النضال الحاسم المنتظر منذ ثمانين عاما، من أن الدولة العصرية بمؤسساتها التي ترسخت، وبخطواتها غير المنكورة في اتجاه الحداثة ؛ إنما هي – برغم أخطائها الفادحة - أقوى بما لا يقاس من تلك الجماعة، التي بات واضحا ً أنها لن تحارب إسرائيل حال وصولها للسلطة، حيث ستأخذ في اعتبارها – كأي حكم عاقل – حقيقة موازين القوي العسكرية ( فما الفرق بينها وبين النظام الحالي ؟!) ولسوف تبرر تقاعسها عن مقاتلة " اليهود أعداء الله" بأن أرض مصر محررة فعلا ً ( قيل هذا لطلاب الحرب مرارا ً وتكرارا ً ) ولسوف تقول إنها لو أرادت الحرب تحريرا ً لفلسطين من النهر إلي البحر، لصار عليها أن تعلن مع حماس الحرب على الفلسطينيين أنصار أوسلو( وهي لا تريد حربا ً أهلية بين الفلسطينيين ! ) وستعلن أنها مستعدة (نظريا ً !) لمحاربة أمريكا وأوروبا وسائر دول العالم المعترفة بدولة إسرائيل، لولا أنها تخشى على شعبها المسلم من الإبادة ! ولعلها سوف تبرر إحجامها عن الدخول في هذه الحرب العالمية بأنها لا تجد لها حليفا ً في التحليل الأخير سوى جمع المتقاعسين أمثال السوريين اللاهثين للإفلات من المحاكمة الدولية (ولا نقول اللاهثين وراء الجولان ) وأمثال "عقلاء" حزب الله النادمين على " خربشة " إسرائيل، وأمثال ملالي إيران القائلين ولا فعل لهم، الذين ينتظرون إشارة الرضا من سادة العالم المعاصر في الغرب البعيد , فلماذا لا تنتظر هي الأخرى مثل تلك الإشارة ؟! ولكن لا مشاحة أن الانتظار وأنت بعيد عن الأسد أسلم ألف مرة من الانتظار وأنت على ظهره

هناك تعليق واحد: