صحيح أن الحزب لم يعلن موقفا رسميا موحدا، لأن هذا الإعلان سيكون بمثابة انتهاك واضح لمبدأ المواطنة، ولكن عندما سُئل عدد من أعضاء الحزب عن رأيهم فى دخول البهائيين إلى الحياة السياسية وإلى صفوف الحزب الوطنى تحديدا جاء الرفض قاطعا وباترا.
ولهذا الموقف مغزى عميق فيما له علاقة بشخصية الحزب الوطنى والفكر «الجديد» للحزب الذى يحكم مصر شبه منفرد.
فبعد أن حصل البهائيون على حقهم فى وضع خانة (-) فى البطاقة ومن ثم أعلن د. على الدين هلال، أمين الإعلام بالحزب، أن الوطنى سيبذل جميع الجهود لتفعيل مبدأ المواطنة وإرساء ثقافة المساواة، تسود على أرض الواقع حالة من التذمر وإعلان الرفض من قبل قيادات فى الحزب.
وقد أورد موقع اليوم السابع (الجمعة 4 سبتمبر) رأى أمين شباب الحزب الوطنى بسوهاج فى هذا الأمر حيث قال «فكرة انضمام البهائيين لعضوية الحزب فى سوهاج أو غيرها من قرى الصعيد أمر مرفوض وبقوة».
المبرر الذى يسوقه الأمين هو أن وجود البهائيين داخل الحزب سوف يؤدى لانشقاق بين أعضائه، «خاصة داخل المجتمع الصعيدى المتشدد فى العادات والتقاليد، فالدين بالنسبة لهم هو الدين الإسلامى والمسيحى فقط»!
هل يمثل هذا الأمين نفسه أم الحزب فى هذا الرأى؟ لا أعتقد أنه يمثل نفسه هنا ولكنه يعبر عن رأيه بوصفه مسؤولا حزبيا وفى هذا الأمر كارثة.
هناك تفسيران لهذا الموقف وكلاهما مر. إما أن يكون الحزب الوطنى فى موقع المنافسة مع الإخوان (وهو أمر ليس بجديد) أو أن يكون هذا الرأى نابعا من موقف فكرى وليس من باب المزايدة السياسية.
ويعكس كلا التفسيرين رفضا للآخر. ورغم أن هذا الرفض قد أصبح إحدى آفات ثقافتنا مؤخرا، إلا أن الأمر يصبح خطيرا عندما تتملك المسؤولين السياسيين تلك العقلية اللافظة لكل من هو مختلف عنها.
يعكس هذا الرفض أيضا تبنى المسؤولين الحزبيين لأفكار مسبقة وأحكام باترة. فماذا إذن لو جاءهم أحد البهائيين فى مشكلة تتطلب حلا، هل سيرفضون منح المساعدة من باب أن البهائيين «فئة ضالة مرتدة وكافرة» (حسب قول الشيخ خالد الجندى)؟
وهل من الممكن أن يستأمن الحزب على المصريين بغض النظر عن عقيدتهم الدينية وأفكارهم؟
ألا يمكن اعتبار رفض الحزب الوطنى (غير المعلن رسميا) لدخول البهائيين الحياة السياسية دليلا على أن الحزب الحاكم ينتهك مبدأ المواطنة؟
صحيح أن مسؤولى الحزب يعلنون بكلمات رنانة أن من حق البهائيين المشاركة السياسية طالما كانوا مواطنين مصريين يحملون الرقم القومى، لكن أرض الواقع ستقول شيئا آخر يؤكد نفى واستبعاد فئة من المصريين بناء على العقيدة وهو ما يجرمه الدستور المصرى.
والحقيقة أن مصر «لن تتقدم بينا» أبدا طالما أننا نمارس التفرقة بين المواطنين وطالما أن الحزب الحاكم يكتفى بأن يعكس آفة ثقافتنا مؤخرا دون محاولة للعلاج.
ولا يهم رأى البهائيين الذين سارعوا بتأكيد عدم رغبتهم فى العمل السياسى والانضمام لصفوف الحزب الوطنى المجيدة، فهذا الرفض لا يمحو عن الحزب تهمة انتهاك مبدأ المواطنة.