الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

الضلع المفقود بقلم الاستاذ ؟ نشأت عدلى


الضلع المفقود

خلق الله آدم من تراب ونفخ فى أنفه نسمة حياة ... ولما لم يجد له معين أوقع الرب الإله عليه سُباتا وأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما وبنى الرب الإله الضلع الذى أخذه من آدم إمرأة ، ومنذ خلق آدم إلى يومنا هذا ونحن نحّنْ إلى هذا الضلعّ المفقود .
فالأسرة بحنانها وحنوها ، ورابطة الحب التى تجمعنا ، والرعاية التى تشملنا بها ، وإحتياجاتنا التى بقدر المستطاع تلبيها ، والفرحة والسرور التى تُدخلهما إلى قلوبنا حنان الأم واحتوائها لنا ، فمرة أضع رأسى عليها وأحكى لها مايدور بداخلى فى طفولية فتهدهدنى بيدها إلى أن أنام ،وفى اللهفة على رجوع الأب من عمله وهو مُحمل بالفاكهه وبعض الهدايا لكل منا ، وجلوسه معنا ليسرى عنا وكل منا يحكى له مايدور برأسه وهو يستمع ويصحح ويعدل ، فوجدت في أسرتى ضلعىَّ المفقود .
والمدرسة التى أقضى بها أكثر من نصف يومى وسط زملائى ومدرسيىَ ننهل علما نقيا ليست به شوائب أو شبه شائبة ، علم للعلم فقط ، فكان المدرس كالأب فى المنزل يحاول أن يجعل الدروس تصل إليك بيسر وسهوله دون أن تفقد شيئا من مادتها الأساسية ، وكان بعد حصته تجده صديقا لك مجاورا لك فى ملعب الكرة أو فى المكتبة وتستطيع أن تسأله فى شيئ وعن أى شيئ وقتما تشاء ، كنا نشعر أن المدرس أقرب لنا من أى أحد
فوجدت فى مدرستى ومدرسّيَ ضلعىًّ المفقود .
وأصدقاء عمرى فى المدرسة والكلية وخارجها ، الصداقة الصادقة القائمة على المحبة الحقيقية دون أية إعتبارات أخرى ، أجد فى الصديق نفسى التى فى بعض الأحيان تتوه منى فيردها الصديق بصدقة مرة ، وبعنفة على الأخطاء مرة أخرى ، صداقة القلوب النقية التى تبنى وتهذب وتشعر ، فتولد بداخلك الإحساس بالغير ، الصداقة التى تعينك وتقف بجانبك وقت الأزمة ، وتنكسر عندما تجد نفسها عاجزة عن المعونة ، الصداقة التى تحترم المشاعر والأحاسيس التى تعيشها معك فتشعر معها إنها أقرب لك من أخيك البعيد ، فوجدت فى أصدقائي ضلعىَّ المفقود .
وفى الكنيسة عند أبى الكاهن الذى راعانى كثيرا وزارنى أكثر ، حديثة الروحى الجميل الذى أمتع قلبى وملأ كل وجدانى وعرفّنى طريق المحبة الألهية التى ألهبت قلبى بالحب وملأت كيانى سلاما ، إمتلأت إيمانً وإيقانا برعاية الله ومحبته الفائقة وأنه وحده راعينا وأبانا الذى يغفر ولا يمل من نقائصنا أو يضجر من سلوكيات اللحظة ، بل دائما فاتح حضنه المملؤ حنانً وقلب الحب المفتوح الذى يأخذنا بأحضانه ملقين كل أتعابنا عليه دون أن يكّل فــــوجــدت فى المسيح المُحب ضلعىَّ المفقود .

وعندما همس الحب ودخل قلبى أول مرة ، وجدت نفسى هائما بحبى فرحا برعشة قلبى ولعثمة لسانى ، لم أعرف أن أنطق بكلمة واحدة فهربت التعبيرات من لسانى وتاهت ، أحاسيس أعيشها ، تراودنى فى أحلام يقظتى ، فتخرج الأحاسيس من المشاعر فى النظرات الدافئة وكلمات على الورق فى صورة أشعار وهمسات صادقة ، ورومانسية فى اللقاء ولوعة فى البعاد فلم نستطع أن نفترق ولو لثانية ، وعندما توجنا هذا الحب بالزواج
أيقنت فى حبيبتى وزوجتى بالطبيعة أنها ضلعي المفقود.
وفى الوطن الذى كان ، يجمعنا فيه هدف واحد ، وأمل واحد ، وحب جارف لترابه ، هذا الوطن الذى علمنّا الحرية ونعمنا معه بالعدل ، عشنا لحظات مرة بإنكساره ، وزهو وفخر بإنتصاره ، ذقنا من حلاوة محبته وتقديره للشعب ، وإحترامة لمشاعره وخصوصية معتقداته ، ذقنا الحلاوة فى مياه النيل التى روت ظمأنا ، وفى رائحة طميه التى تعطرنا بها ، وفى ترابه الذى أذاب قلوبنا عشقا وهياما فغنينا له ، وتزينّا بهذا التراب كما لو كان ثوب جميل نتزين به فى أفراحنا ويوم عرسنا ، ولكن اليوم بعدما كسر قلوبنا الخضراء وجعلها تتحسر على أيام خوالى عشناها ، جعل السواد يلف القلوب حزنا ولوعة على هجره لإنسانيتنا ، وتناسية لمشاعر أمة بأكملها وإهدار كرامتها وإمتهان عقائد البعض منها ، جعل طعم النيل مٌّرفى حلوقنا ، وغذائه سمٌّ يسرى فى أجسادنا ، ونسيمة الرقيق الذى كان أصبح عواصف تزلزل كياننا ، فأحسست بأن لى ضلع مفقود بل بأضلاعى كلها مفقودة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق