الخميس، 12 نوفمبر 2009

دوله مصريه قويه بقلم الدكتور شريف حافظ


يتكلم الكثيرون عن نماذج بناء الدولة وما تحويه من قوة قابلة للاستمرار، بشكل نظرى، دون النظر إلى الواقع الدولى، ويستحضرون من التاريخ، الذى تمثل فى ظروف مختلفة تماماً، ويستقون التجارب الناجحة من الماضى واضعينها أمام العامة، مُنادين بتكرارها، فى وقت لا يُمكن لها أن تتكرر، بالشكل الذى كانت عليه، لاختلاف البشر وأنماط التفكير وأدوات رأس المال واختلاف الخريطة الدولية وتوازن القوى، ولأن بناء الدولة ذات الهوية المُعينة، يؤثر على الدول المحيطة، بحيث يساعد على اطمئنانها أو يؤدى إلى تهديد أمنها، الأمر الذى يكرس للسلام والتوازن أو الحرب والتهديد بها، وفقاً للشكل والجوهر الذى يُشكل الدولة المجاورة أو المؤثرة على مسارات سياساتها أو اقتصادياتها وثقافتها.ففى عصر الحرب الباردة، لم تكن الولايات المتحدة لتتقبل دولة شيوعية مجاورة لها أو فى نطاق تأثيرها، وقد عملت كثيراً على اختراق كوبا، واختلقت حروبا فى دول أمريكا الجنوبية والوسطى، من أجل ذلك. كما أن الاتحاد السوفيتى، وحينما كان يشعر بنمو رأسمالى فى أى من الدول الواقعة فى حيز نفوذه، كان يتدخل كما تدخل فى المجر 1956 أو شيكوسلوفاكيا 1968. فشكل الدولة إذن، مهم للدول ذات النفوذ، دولياً أو إقليمياً. والشكل بالطبع، ما هو إلا تعبير عما يحويه من مضمون.كما أن شكل الدولة مُحدد لقدرتها على التنمية. والجوهر المُتبعث عن هذا الشكل، يجب وأن يؤدى إلى قدرة الدولة على التنمية وبناء القوة. ويُمكن تعريف قوة الدولة على الصعيد الدولى، من منطلق قدرتها على التأثير فى الدول الأخرى أو الفاعلين الدوليين، بحيث تستطيع تغيير سلوكهم فى أى أمر من شئون العلاقات الدولية من خلال قوتها تلك أو التهديد باستخدامها. وليست القوة فى عالم اليوم، تقتصر على السلاح فقط، وإنما تشمل أسلوب الفكر الذى ينتج طريقة حياة بأكملها، تشمل أسلوب التعليم والبناء الاقتصادى والاجتماعى والثقافى. إن قوة الدولة وإن كانت لا تملك السلاح الرادع، يُمكن أن تكمن فى اقتصاد أمضى من أى سلاح، ويكفى أن ننظر إلى اليابان أو ألمانيا وما حققتاه على هذا الصعيد، بينما لا تملكان سلاح بقوة السلاح الأمريكى أو الروسى أو الصينى.وقد أثبتت اقتصاديات الدول الغربية نجاحات، لا يُمكن أن تُنكر، ولو فى ظل النكسات التى تمر بها اليوم. وحتى فى ظل تلك الأزمات العابرة، يُدرك القاصى والدانى، أنها ستستعيد قوتها، لأنها لديها أسلوب التفكير الذى يُمكنها من الخروج من كبوتها. ولقد امتكلت دولاً أخرى المال ولم تفعل ما فعلته الدول الغربية من امتلاك القوة، على الأصعدة المختلفة، رغم أنها من المُفترض انتماءها لثقافة أكثر تحفظاً وحفاظاً على القيم، مثل الدول التى تنتهج النظام الدينى شريعة حياة لها، وتحديداً فى منطقة الشرق الأوسط!!إن الاسترشاد بنماذج سياسية لحكم دول تُبنى حديثاً، كمصر، لا يُمكن إلا أن يتم من خلال نماذج أثبتت نجاحها على الأرض فى العصر الحديث، وليس منذ مئات السنين. فإن كنا نبحث عن نظام شرق أوسطى ناجح، فعلينا استقاؤه من الديمقراطية التركية. وإن كنا نبحث عن نظام مقارب من ناحية بدء تجربة التنمية الحديثة مع مصر، فاننا يمكننا أن نلجأ إلى النموذج الماليزى. وإن كنا نبحث عن نظام دولى ناجح، فربما كان النظامان اليابانى والألمانى نموذجين رائعين. إلا أننا وفى النهاية، يجب وأن نضع فى الاعتبار أيضاً، الظرف الذى تجسده مصر وطبيعة البناء السكانى والموروث الثقافى المعتدل، كى نبنى عليه، لأنه وعبر التاريخ والحاضر، لا يوجد نظام مشابه لنظام آخر تماماً، لأن الموروث التاريخى بشتى مناحيه وطبيعة المكون الحضارى، يحددا طبائع مختلفة فى البناء الديمقراطى، بحيث تختلف حتى الديمقراطيات فيما بينها.إن ما نريده جميعاً لمصر، على اختلاف انتماءاتنا السياسية، هو القوة المصنوعة من قبل بناء سياسى واقتصادى واجتماعى وثقافى محترم. وعلينا لتحقيق ذلك، الاستقاء من التجارب الدولية الناجحة اليوم، ودمجها بالمحتوى الحضارى المصرى فى العصر الحديث، بحيث تتلائم، مع شتى مكوناته، وبحيث تُصنع القوة بسواعد أبناء وبنات مصر، من ذوى الخبرة، لتقديم دولة مدنية حديثة، غير منفصلة عن قيمها الدينية والأخلاقية والإنسانية، وغير منفصلة عن واقع العصر وأسباب نجاح الأمم المتقدمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق