
«أحاول - منذ كنت طفلاً، قراءة أى كتاب تحدث عن أنبياء العرب/ وعن حكماء العرب.. وعن شعراء العرب.. فلم أر إلا قصائد تلحس رجل الخليفة، من أجل حفنة رز.. وخمسين درهم.. فيا للعجب!! ولم أر إلا قبائل ليست تفرق ما بين لحم النساء.. وبين الرطب.. فيا للعجب!!/ ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخلية.. لأى رئيس من الغيب يأتى.. وأى عقيد على جثة الشعب يمشى.. وأى مرابٍ يكدس فى راحتيه الذهب.. فيا للعجب!!»..
قبل أن يكتب «نزار قبانى» تلك القصيدة حاولت، ونجحت أحياناً فى أن أسكن بيت شعر، أو حلماً عابراً. رسمت فرساناً بريشتى، وسطرت بطولات عربية بقلمى، فجاء الشعب العراقى وهدم أبيات الشعر فوق رأسى واجتاح الكويت، أما الشعب الكويتى، فازداد غطرسة بعد تحرير الأمريكان لبلاده!.
رأيت «صدام حسين» يُعدم علناً صباح وقوفى بجبل «عرفات».. فحزنت لكننى تماسكت. كلما انقسم العرب على أنفسهم وتلاسنوا، وتاجروا بالدم الفلسطينى تشبثت أكثر بـ«وهم» العروبة، وكلما سقطت عاصمة عربية بإرادتها وتحولت لقاعدة عسكرية - أمريكية أصبحت أكثر شراسة فى التمسك بقوميتنا «حماها الله». أسمع أنباء الحروب الأهلية والفتن المذهبية والعرقية داخل القطر العربى الواحد، فأنتبه لنظرية «المؤامرة» التى نعلق عليها ذنوبنا السياسية «وخيبتنا القوية»!
ما الذى يحدث لو تعرض مصرى أو أكثر للجلد فى المملكة السعودية الشقيقة.. أو طردت ليبيا «الشقيقة أيضاً» العمالة المصرية، أو فتحت قطر «الأخت الصغرى» منبر الجزيرة لسب القاهرة؟!
كلها صغائر نترفع عنها، فهذا قَدَر «الشقيقة الكبرى» - مصر.. فليأت أى فلسطينى «غاضب» ويقتل جنودنا فى «رفح»، ألسنا رعاة العروبة؟! «ملعون أبوالعروبة» التى جعلت الجزائريين يطاردون المصريين فى «أم درمان»، تنفيذاً لمؤامرة همجية عقب مباراة كرة القدم!
«العروبة» لا تتجاوز قيمة «كرة القدم» فى ملعب الهواة العرب، ممن لا يتقنون إلا تدبير المؤامرات الرخيصة ضد بعضهم البعض!! فبعض أصحاب المعالى والفخامة و«الكروش والعاهات والسجل الملوث بسحل الشعوب»، لا يعرفون أخلاق «الدبلوماسية» ولا يحملون تاريخاً نضالياً فوق أكتافهم، بل يحملون وزر احتلال شعوبهم، ونهب ثروات أوطانهم! من قال إن الذين طاردوا المصريين على أرض السودان، ينتمون لسلالة «جميلة بوحريد»..
لن نخسر كثيراً إذا اعترفنا بأن ما يسمى: «أمة عربية واحدة» مجرد كابوس نتمسك به! فالخليج مغلق على نفطه فى تجمع وحدوى، وليبيا تبحث عن مصالحها فى أفريقيا الخضراء «اللقب للقذافى»، وسوريا لا همّ لها إلا إحكام السيطرة الشيعية على دول الجوار.. والعراق «محتلة».. الواقع العربى برمته لا يستحق الأسف أو البكاء على أطلاله! لكن مصر الحضارة والتاريخ تستحق وقفة حاسمة لحماية أبنائها من الغوغائية السياسية، ومافيا استباحة الأرواح.
لو فرطنا هذه المرة فى الدم المصرى، الذى أهدرناه حرباً وسلماً من أجل العرب، فلن ننجو من العصابات المنظمة «يسمونها دولاً»، ممن لا هَمَّ لها إلا سرقة الدور المصرى، والاستيلاء على مكانة مصر. السلوك الحضارى لا يوجه إلا لشعب متحضر. أقولها بفخر: «أنا فرعونية»، لا ترتبط جذورى بالبدو ولا بالبربر.. نعم أتحدث العربية لأننى برئت من الاحتلال، بينما يتقن غيرى الفرنسية لأن العبودية تتملك روحه.
أنا لا أنتمى لآبار «النفط والصديد»، ولا لثقافة «الإرهاب المسلح».. الآن أسخر من نفسى وأتذكر دعم مصر لحركة تحرير الجزائر، وتخليد «جميلة» بأروع أفلام «يوسف شاهين». تتتابع فى ذاكرتى مشاهد التضحيات المصرية من أجل «الوطن الأكبر».. لم يتبق - الآن - من حروفى إلا نشيد واحد: «تسقط العروبة»!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق