الاثنين، 12 أكتوبر 2009

مصر المنتقبه بقلم الأستاذ طارق الشامى ( الدستور )



فقط حاول أن تستكشف رأي الناس في قضية خطر النقاب بنقرة واحدة علي شبكة الإنترنت، ماذا تري؟ ستشاهد حملة شرسة ضد كل من يلفظ برأيه أو يفكر بعقله أو تسول له نفسه أن يقول كلمة ضد النقاب، إنها حرب ضروس غير مسبوقة، يتسابق فيها الجميع في نعت من يرفضون النقاب بالفسق والكفر.فعلوها من قبل حين أهدروا دم أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتورة سعاد الصالح لمجرد أنها قالت علي الفضائيات إن النقاب ليس من أصل الدين، كرروها مع وزير الأوقاف الدكتور حمدي زقزوق حين عمل علي إصدار كتاب «النقاب عادة لا عبادة»،
وقبل ذلك هاجموا وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي بعدما سعي إلي فرض زي موحد علي الممرضات للحد من ظاهرة النقاب.
واليوم نري جميعاً حملة مماثلة علي شيخ الأزهر ووزير التعليم العالي بعد قرارهما حظر إلحاق المنتقبات بالمدن الجامعية في عمل بدا منسقاً ومتزامنا فيما سارع محبو الشهرة والمغرمون بالأضواء إلي رفع دعاوي قضائية لإلغاء هذه القرارات.
مثل هذه الحملات تثير في النفس شكوكاً عديدة، فمن الطبيعي والمنطقي أن يختلف الناس في شتي أمور الحياة، ومن المريب أن نري الناس جميعاً تسير كالقطيع برأي واحد وفكر واحد دون أن يسمحوا لأي كائن أن يناقضهم الرأي.
الغريب أنهم يعتبرون النقاب «حرية شخصية» دون أن يتفكروا في حق المجتمع في معرفة هوية من يقف خلف النقاب، فكم من جرائم السرقة والقتل والزني ارتكبت خلف ستار النقاب كما تشير صفحات الحوادث، ثم إن النقاب لا يؤدي بالضرورة إلي سلامة المجتمع أو تراجع معدلات جرائم الاغتصاب والتحرش والزني حيث تتقارب معدلات هذه الجرائم في المجتمع السعودي الذي يغلب عليه النقاب مع معدلاتها في مصر، كما أن هذه الجرائم اتسمت بمعدلات أقل في الستينيات والسبعينيات بمصر في وقت كان فيه النقاب نادراً والحجاب قليلاً، في حين ارتفعت هذه المعدلات وجرائم التحرش في السنوات العشرين الأخيرة رغم تحجب معظم المصريات وانتشار النقاب بمعدلات أكبر.
أكثر من ذلك أنهم يتهكمون علي أي زي آخر ترتديه النساء في مصر معتبرين هذه الأزياء خضوعاً لحملات التغريب التي انطلقت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، مطالبين بالعودة إلي «البرقع» و«اليشمك» الذي كان سائداً في عصور ما قبل الحداثة دون أن يتفهموا أن «البرقع» جاءنا من تركيا وأن اليشمك والإسدال والملاية اللف كلها أزياء اجتماعية أو وطنية وليست دينية، لأن الدين لم يقيد الناس بزي معين، كما أن الأنبياء كانوا يرتدون ما يرتديه أهلوهم وأبناء بيئتهم ومجتمعهم وإن كانوا جميعاً طالبوا الرجال والنساء بالاحتشام، وعدم الابتذال والإثارة.
ولا أدري لماذا لا يستمع أنصار النقاب إلي الدكتور يوسف القرضاوي- رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والعلامة الأشهر بين رجال الدين في هذا العصر- حين أفتي في لقاء بمقر الاتحاد بالقاهرة مطلع مايو الماضي بأن خلع النقاب هو الأولي أن يتبع حالياً نظراً للمشكلات التي أثيرت بسببه، أليس الشيخ القرضاوي بمكانته وقيمته أحق أن يتبع؟! أم أن القضية هي قضية مزايدات ضد الحكومة ومن يسير وراءها حتي ولو كانت تسير علي منهج الشيخ القرضاوي؟.
نعم لقد أخطأ شيخ الأزهر حين خاطب فتاة الصف الثاني الإعدادي بطريقة فظة، لكنه لم يخطئ حين قرر منع المنتقبات من الالتحاق بالمدن الجامعية حماية لهن.
لقد كان الخطأ الأكبر من مؤسسة الأزهر وباقي المؤسسات الإسلامية في مصر حين صمتت سنوات وسنوات علي تفشي ظاهرة النقاب، بل إن دار الإفتاء ناقضت نفسها حين أفتت بأن النقاب «فضيلة» قبل أن تعود فتعتبره عادة لا عبادة، كما أن الدولة نفسها أخطأت حين أوصي مجلس الشعب بعدم إنكار النقاب، الآن تحصد الدولة ومؤسسة الأزهر ودار الإفتاء نتائج أفعالها، وعليها أن تصمد في مواجهة الحملات العنيفة من أنصار النقاب، فالمعركة لا تتعلق فقط بالنقاب، فهو ليس إلا رمزاً واضحاً علي صراع أشمل بين أتباع السلفية وأنصار الاجتهاد بين الأصالة والحداثة.
قبل سنوات رسم فنان كاريكاتيراً في باريس «فرنسا» علي هيئة سيدة منتقبة في إشارة إلي ما يحمله المستقبل لهذا البلد الغربي العلماني، واليوم ينطبق هذا الرسم علي مصر التي تصبح سيدة منتقبة بعد سنوات، أم تري ستحتفظ بذات الهيئة التي مثلها بها النحات العبقري مختار في تمثاله الشهير، كفلاحة أصيلة تربت بيدها علي أبي الهول الذي يحاول النهوض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق