الخميس، 29 أكتوبر 2009

حمى الشراشف السوداء بقلم دكتوره ايمان سليم ( صباح الخير )




هى حمى اجتاحت بر مصر الآمن فى الحقبة الأخيرة فى زمن الردة الحضارية التى نعانى منها.. إنها حمى النساء الملثمات بالشراشف السوداء، وتدور معركة حامية الوطيس بين مؤيديه ومعارضيه، ولكل منهما سببه وحجته، ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة البعد الاجتماعى أو الدينى لهذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا، فلقد أفرد كبار الكتاب والمفكرين لمناقشة هذه الظاهرة مقالات وأعمدة عدة حتى قتلوها بحثاً، وهنا توجب علينا أن نعضد ما قالوا برأى العلم وبخاصة علماء النفس، ونترك مساحة من التفكير فى الأمر لعقل القارئ حتى يختار ما يريد. أهم شىء يملكه الإنسان هو هويته، وأول شىء فى التعرف على هوية الإنسان هو معرفة ملامح وجهه، وسماته المميزة التى تجعل منه كائناً قائماً بذاته متفرداً عن أى كائن آخر، ولمن لا يعرف فكلما ارتقت الحيوانات فى سلم التطور كلما زاد إحساسها بتفردها وذاتيتها وسط أبناء عشيرتها، وأبسط مثال على ذلك هو أن الشمبانزى من فصائل القردة العليا؛ هو الحيوان الوحيد الذى يستطيع أن يتعرف على ملامح وجهه فى المرآة، ولكل قرد منها فى قطيعه ملامح تميزه عن أى قرد آخر، وتستطيع التعرف عليها فيما بينها. ونستدل على ذلك أنه كلما شابهنا بين الكائنات الحية، وجعلنا من أبناء الفصيلة الواحدة نسخا معادة مكررة بلا هوية، كلما دلّ ذلك على بدائية هذا الكائن. ويأتى فى المرتبة الثانية فى مقالنا هنا أهمية التواصل بلغة الجسد، وبخاصة لغة الوجه والعيون والتى تحمل ٣٦ من إجمالى الرسالة للمتلقى، والتى تحتل جانباً مهماً فى العلاقات الإنسانية، وهذه اللغة مفتقدة فيمن تلثم نفسها بالنقاب، فكيف لها أن تمتهن مهنة إنسانية كعملها طبيبة أو ممرضة، وتفقد هذه القدرة على التواصل بين مرضاها، والتى تشكل ركيزة أساسية وحجر الزاوية فى علاقة الطبيب بمريضه؟ هل يستطيع مريض أن يشعر بالراحة ويبوح بأسراره مع طبيبه الذى لا يعرف تعبيرات وجهه أو حتى- على أضعف الإيمان- هويته؟هل ستستطيع الطبيبة الملثمة أن تتفاعل مع آلام مريضها من وراء الغمام الأسود؟ وما هى حالة المريض النفسية الذى يفيق من أثر التخدير ليجد ممرضته ملاك الرحمة تقف متلفحة بالسواد، وكأنها وحى الموت الذى يتربص به حتى يقبض روحه؟ ثم تعالوا نتخيل معا حالة الأطفال فى الحضانة عندما تدخل عليهم مدرستهم بنقابها الأسود لتنزل الرعب فى قلوبهم ويرتبط عندهم الدين فى عقولهم بالكآبة والخوف، ثم تقف وهى تنفث سمومها فى عقول الفتيات الصغيرات، اللاتى لم تنبت أجسادهن بعد، وتنعتهن بالعورات فتنشئهن على كره كيانهن الأنثوى الذى حباهن الله به، وتشعرهن بالدونية عن قرنائهن من الذكور، ولعلك تتساءل الآن: هل تتوقع من هذه الطفلة الصغيرة أن تنشأ نشأة نفسية سوية بعد أن تربت على تجنيس كل شىء منذ نعومة أظافرها وقبل حتى أن تعى معنى الجنس؟ المجتمعات الشرقية مجتمعات هوائية استهوائية تنضح منها الطباع الهستيرية، فهى تميل إلى تجنيس كل شىء، وجعله مرتبطا بشكل ما أو بآخر بالجنس، فإذا أظهرت المرأة كعب قدمها فحتما هى تريد الجنس، وإذا أطلقت فتاة ما شعرها فهى تدعو إلى ممارسة الرذيلة! واستناداً إلى الوسائل الدفاعية لعالم النفس سيجموند فرويد قد نرجع هذا إلى أسباب عدة منها الكبت الشديد والرغبة الجنسية العارمة التى تجعل من مروج هذا الكلام يخفى ما بباطن نفسه من شبق شديد بإظهار عكس ما يبطن.. أو حالة الانشقاق العنيف التى يعانى منها ذوو التفكير غير الناضج فى نظرية الثنائيات المتناظرة، أو ما يعرف بلغة العوام التفكير الأبيض أو الأسود، فلا يستطيع تخيل البديل عن الفتاة غير المنقبة أو غير المحجبة سوى فتاة عارية كما ولدتها أمها، ولا يستطيع أبداً تفكيره المراهق دمج الصورتين معا فى صورة واحدة معتدلة. أو هناك أيضاً فى الحيل الدفاعية مايعرف بعملية الإحلال أو الإزاحة، وذلك عندما يشعر طرف ما بالإحباط فيبحث عن طرف أضعف منه ليصب عليه جام غضبه، وذلك يظهر جلياً فى علاقة الرجل بالمرأة، فعندما يحبط الرجل من مشاكل العمل أو شظف العيش أو غيرهما من مشاكل اجتماعية بحتة، يقوم بإنزال كل مشاكله على المرأة الكائن المستضعف، ويتهمها بأنها تسببت بفتنتها فى إفساد المجتمع بدلاً من توجيه مشاعره السلبية تجاه من يستحقون اللوم لإفسادهم المجتمع. وفيما يتعلق بنظريات العدوان وعلاقة الإثارة الجنسية بزيادة العدوان والعنف، لم أجد خيراً من نظرية عالم النفس زيلمان ٤٩٩١ لأستدل به على صحة كلامى.. هذه النظرية ٤٩٩١ هى امتداد لنظرية أصدرها عالم النفس زيلمان فى عام ٨٨٩١، وهى تدحض أقوال المشايخ الذين ينصبون من أنفسهم أطباء وعلماء نفس، ويدعون أن النقاب والحجاب هو المسئول عن منع جرائم الاغتصاب والعنف وحماية المجتمع من الرذيلة، ومفاد هذه النظرية باختصار شديد أن الإثارة الطفيفة لكل ما تراه العين من جمال لها أثرها المحبب فى النفس، وهى تفرغ شحنات عاطفية وبذلك تحد من الكبت ومن ثم العدوانية والعنف، وقد لا يشعر بها على الإطلاق المستثار، ولكنه يشعر بشىء من الغبطة والراحة، أما إذا زادت الإثارة عن حدها، وتحول الموضوع إلى مشاهدة ممارسات جنسية عنيفة غير سوية أو خاطئة على مواقع أو مجلات البورنو جرافيكس، فإنها تنقلب إلى ضدها وتزيد العدوانية فى الشخص المستثار. فهناك فرق بين مشاهدة أغنية عاطفية راقية من أفلام الزمن الجميل، والتى تحرك مشاعرنا وأحاسيسنا وتجعلنا نتذوق الجمال والفن الراقى حتى لا نستعذب غيره، وبين مشاهدة أفلام البورنو. الكبت والقهر يؤديان إلى ما تؤدى إليه أفلام البورنو، فكلاهما يؤدى إلى العدوانية والعنف، ومنها يتحول الشباب إلى قنابل موقوتة تدمر المجتمع، ولعلك إذا ألقيت نظرة على أحوال الشباب فى مجتمعنا فستجد الاثنين قائمين معاً، فالشباب الذى يحرم كل شىء جميل ويلعن المرأة التى تكشف شعرها نهاراً، هو نفسه الشباب الذى يتسلل ليلاً إلى المواقع الإباحية، وبشهادة موقع البى بى سى الإخبارى فإن مصر احتلت أعلى مرتبة فى مشاهدة المواقع الإباحية، ولك بعد كل ما ذكرته فى مقالى أن تتخيل حال المجتمع المصرى إذا استمر على هذا المنوال فى غضون بضعة أعوام من الآن.؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق