الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

المواطنه !! كيف ؟؟ ولماذا ؟؟ بقلم الأستاذ محمود عبد الحى _ الجزء الثانى


4"ويذهب رفاعة, ويأتي بعده تلاميذ عدة يحاولون غرس زهور الوطنية والمواطنة, لكن التأسلم كان للفكرة الوطنية بالمرصاد, فقد ظل مصطلح أهل الذمة يعرقل مسيرة الوطنية ويحرم الأقباط من حق التجند في الجيش حتي عام1855, وبعدها ألغيت الجزية وصدر قانون القرعة العسكرية الذي يكلف كل مصري بغض النظر عن ديانته بالانخراط في سلك الجندية.لكن الموج المعادي للمواطنة كان متمترسا, فالجمعيات الخيرة ومؤسسات المجتمع المدني قسمت علي أساس ديني: الجمعية الخيرية الإسلامية ـ جمعية التوفيق القبطية ـ جمعية الشبان المسلمين ـ جمعية الشبان المسيحية.. وكان النظام التعليمي يكرس ذات التوجه.. هناك الأزهر ـ وهناك مدارس تتسمي بأسماء مسيحية, مثل مدرسة ثمرة الحياة القبطية وغيرها, وهناك مدارس للجيزويت.. إلخ, وفي الأوقاف هناك أوقاف أهلية إسلامية وأخري قبطية, ثم كان هناك التمزق في النظام القضائي: قضاء مدني يستند إلي مدرسة القانون الفرنسي, و قضاء شرعي إسلامي, وقضاء مختلط ـ ومجالس ملية. ويمرق التأسلم عبر هذه الثغرات ليتجاسر في مطلع القرن العشرين فيهاجم مبدأ وجود الوطن المصري ومبدأ الوطنية المصرية, أو حتي ليناور عليها وبها, فمحمد فريد يكتب كتابا سماه تاريخ الدولة العلية يمجد فيه دولة الخلافة ويؤكد تابعيته لها, ويحاول مصطفي كامل مثله أن يكسب دولة الخلافة إلي صفه في مواجهة الاحتلال البريطاني, محاولا أن ينال من هذه المناورة شيئا من الدعم لوطنه قائلا: مادامت الدولة العلية قوية سليمة,دام أمل المصريين في الخلاص كبيرا وعظيما.ونال مصطفي من السلطان العثماني دعما ماليا ومعنويا ولقب باشا, لكن مصر لم تنل شيئا لأن العثمانيين كانوا يرفضون استقلالها ويرون أنها جزء من دولة الخلافة, فأنهي مصطفي كامل وبحسم علاقته بدار الخلافة وصاح وبأعلي صوت رمانا الطاعنون بأننا نريد أن نخرج الإنجليز من مصر لنعطيها لتركيا( هكذا وصفها ولم يقل دار الخلافة أو الدولة العلية) وما هذه التهمة إلا تصريح بأن معرفتنا لحقوق الأمم وواجباتها لم ترشحنا إلا أن نكون عبيدا أرقاء.. فليعلم أعداء مصر أننا نطلب لها الاستقلال بأعلي أصواتنا وعلي مسمع من أمم الأرض كلها.لكن الحزب الوطني ظل, خاصة بعد وفاة مصطفي كامل نهبا لانقسام شديد, فهناك تيار تزعمه الشيخ عبدالعزيز جاويش الذي كان يفترض أن الإسلام يفرض علي المسلمين الدفاع عن دولة الخلافة العثمانية التي يتعين الحفاظ علي وحدتها ومقاومة تمزيقها, فإن في تمزيقها ضياعا للإسلام ذاته.وكان جاويش يردد وبلا ملل لا وطنية في الإسلام وإن ضياع الخلافة ضياع للذات. وقد قاده هذا الموقف إلي التصادم مع الدعوة التي رفعها الحزب الوطني في كل مكان مصر للمصريين ويكتب محمد فريد في مذكراته ان حب جاويش للدولة العثمانية أدي به إلي نسيان مصر ومصالحها فأصبح يقول إن مصر للمسلمين ولا للمصريين, وقد وصلت الحالة بالشيخ إلي أن ينصحني بعدم حمل الدبوس الذي عملناه في جنيف والمكتوب عليه مصر للمصريين, والذي قررنا أن يكون شعار المصريين المخلصين, وقال إن منظره في صدري وصدر إخواني يغيظ العثمانيين كما تغيظهم محافظتي علي قومية مصر.ويقول في موضع آخر من مذكراته إن جاويش لم يزل يحارب فكرة الوطنية في الإسلام وقال أخيرا في برلين لأحمد بك إن يقلع عن فكرة الوطنية أو الجنسية المصرية مؤكدا أنه لاوطنية في الاسلام. ويمكن القول إنها ذات الأفكار التي رددها فيما بعد الأستاذ حسن البنا عندما قال: إن كل قطعة أرض ارتفعت فيها راية الإسلام هي وطن لكل مسلم يحتفظ به ويعمل له ويجاهد في سبيله وهي ذات الأفكار التي دفعت أحدهم إلي القول صراحة طظ في مصر, وإعلانه قبوله لأن يحكمنا ماليزي مادام مسلما, والتي دفعت نواب الجماعة المحظورة إلي رفض مادة المواطنة في التعديل الدستوري الأخير, لأنها وببساطة تقول مجرد قول بالمساواة بين المصريين بغض النظر عن الدين والجنس.والحقيقة أن المصريين لم ينسوا أبدا الظلم العثماني الذي مورس ضدهم وبشكل استبدادي لا يتصوره عقل, ولم ينسوا أبدا أن السلطان العثماني وقف ضد الثورة العرابية, بل وأرسل حملة لتأديب عرابي, الأمر الذي أهاج المسلمين في الهند وسيلان والسودان والشام, وعندما وصلت الحملة إلي اللاذقية قاطعها جميع السكان ورفضوا أن يبيعوا لها أي شيء, وأظهروا لها الجفاء.. وخرج عن المقاطعة أحد كبار التجار فأحرق السكان كل متاجره ومخازنه.ولم ينس المصريون أن السلطان أمر بتوزيع جريدة الجوائب التي أعلنت.. بإرادة سيدنا ومولانا السلطان أمير المؤمنين خليفتنا الأعظم إشعار لجميع المسلمين بأن الأفعال التي أجراها عرابي وأعوانه في مصر مخالفة للإرادة العلية السلطانية ومغايرة لمصلحة المسلمين, وبناء علي ذلك تقرر أن عرابي وأعوانه عصاة بغاه وبهذه الصفة تجري معاملتهم.وبرغم أن المصريين لم ينسوا عداءهم للخلافة العثمانية وظلوا يهتفون يارب يا متجلي أهزم العثماللي. فإن تيار التأسلم لم يزل يناوئ فكرة الوطنية والمواطنة, بل وحتي المشاركة في مقومات الوطن فالأستاذ حسن البنا يعدد في رسالة التعاليم واجبات الأخ المجاهد وعددها38 واجبا, الواجب25 منها يأمر الأخ أن يقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتنا الإسلامية.أما سيد قطب, فيصل بالأمر إلي منتهاه فيشن في كتابيه في ظلال القرآن ومعالم في الطريق هجوما ضاريا علي مبدأ القول بفكرة الوطن ويتهم القائلين بها بالكفر. لكن مصر تمضي في طريق المواطنة.. فكيف تتحقق؟ .لكن مصر وبرغم غيوم كثيفة من الظلامية والتأسلم ظلت ولم تزل قادرة علي أن تتنفس رحيق الوطنية وعبير المواطنة.فبرغم حملات ضارية شنها البعض ضد حق المرأة في تولي القضاء, استطاعت مصر وقواها الليبرالية أن تفرض ما هو صحيح وما يتفق مع حقوق المرأة المتكافئة وتتألق الآن منصات القضاء بأفواج من القاضيات نأمل أن تتوالي.وإذ نواصل علاقة قوي التأسلم بحقوق المرأة كمواطنة نجد أن هذه القوي ترفض ما تسميه بالولاية الكبري بالنسبة للمرأة, وتؤكد أن منح المرأة حق تولي المسئولية الأولي في بلد ما هو خروج عن الشرع والشريعة, ولا يجدون لأنفسهم سندا لكننا نجد لأنفسنا سندا في الشريعة وفي ممارسات أكبر الدول الإسلامية في العالم( إندونيسيا ـ باكستان ـ بنجلاديش) وتضم معا نحو80% من المسلمين, فهل كل هؤلاء خارجون عن الشرع والشريعة, أم هو التجاوب الإسلامي الصحيح مع مستجدات العصر؟.ولكن.. وكثيرا ما تأتي في هذا السياق كلمة ولكن وهي توجعنا علي الدوام, فإذا كانت المرأة قد وجدت سندا من رأي عام وقبولا من الحكم ورغبة في منحها قدرا أكبر من حقوق المواطنة, فإن أقباط مصر لا يزالون بحاجة الي تفعيل نصوص المواطنة وما تكفله من حقوق متكافئة, ولعله من الضروري أن نستعيد ثم نكرر استعادة النصوص الدستورية الخاصة بالمواطنة لعل في التكرار ما يذكرنا بضرورة إعادة النظر في القواعد والقوانين والممارسات العملية التي تكفل حقوق المواطنة المتكافئة بغض النظر عن الدين.ـ م1: جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة.ـ م2: السيادة للشعب وحده, وهو مصدر السلطات, ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية علي الوجه المبين في الدستور.ويتعين أن نلاحظ أن هذا النص قد أحالنا في التطبيق الي الدستور وحده, ولعل ذلك تعبير عن رؤية تري أن بعض القوانين لم تزل تعترض سبيل التنفيذ الفعلي لموجبات تحقق المواطنة, مثل قوانين بناء دور العبادة التي تفرق أبناء الوطن في هذا الحق الأصيل, وكذلك بعض نصوص قانون الأحوال الشخصية, أو قوانين جيدة ولكن يجري تجاهلها في التطبيق العملي.ـ م14ـ: الوظائف العامة حق للمواطنين وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب.فهل يمكن القول إن هذا النص مطبق بالفعل في إطار الفهم العاقل لحقوق المواطنة المتكافئة؟ وتمتد المقارنة بين هذا النص وبين ما نحن فيه الي مايمكن تسميته بالمنع من المنبع أي بتحديد القبول في معاهد تعليمية ما كسبيل لتحديد وجودهم الوظيفي في مجالات محددة.ـ م40: المواطنون لدي القانون سواء, وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.ـ م46: تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية.ونسأل حول مدي قيمة القول بكفالة حرية العقيدة اذا كانت نتيجتها العملية حرمان صاحبها من حقوق أساسية؟ـ م60: الحفاظ علي الوحدة الوطنية.. واجب علي كل مواطن.وإذ أعاود النظر الي هذا النص يلح سؤال أساسي عن المسئول الأساسي عن هذا الحفاظ هل هو الحكم؟ أم الأغلبية الدينية؟ أم الأقلية الدينية التي لا تجد أمامها سوي الشكوي أو الغضب.ولكي يكون الأمر واضحا, وبعيدا عن مجاملات لا تجدي بل لعلها تعقد الأمر أكثر فأكثر, فإنني أقول إن عديدا من الممارسات تتعاكس مع نصوص الدستور, وإن تراكم هذه الممارسات قد أوجد مناخا لدي الأخوة الأقباط بأن هناك تعمدا متعمدا في استبعادهم من مناخ المساواة, ولا يجدي علي الاطلاق أن تستدعي من يستشعر ظلما متكررا ومتواصلا ومتعمدا لكي يشاركك فعل المشاركة, يصعب جدا في مناخ كهذا أن تطلب الي مواطن يستشعر التفريق بأن يسهم بإيجابية في فعل سياسي أو اجتماعي أو ثقافي يعزز الوحدة الوطنية, فالدولة والحكم والحكومة يفترض أن تكون مرجعا ومنتجا لممارسات عادلة وأن تكون مانعا لأي تمييز, فإذا فعلتها الدولة بيديها أو سكتت عنها فإن ذلك سيعني أن يلجأ من يستشعر الظلم بسبب من الدين ليس الي الشعب ولا الي الدولة وانما الي مرجعيته الدينية, فهي السبب وهي المؤمل الباقي أمامه, وهنا تتكرس المفاصلة وتتعمق ويتعمق معها الانعزال السياسي والثقافي والاجتماعي, وتختفي المصالح المشتركة التي قال عنها مونتيسكيو إنها أساس وجوهر المواطنة.والحل.. هو إعمال الدستور, إعماله حقا وفعلا وبلا تردد, فإن عدم إعماله لا يترك أثرا سلبيا عند الأقباط وحدهم بل يترك ما هو أخطر وهو الأثر السلبي لدي الجمهور المسلم بأن التفريق أمر طبيعي.. تفعله الحكومة فلم لا يفعله هو؟وهذا هو جوهر المسألة.ولنقارن بين ما يحدث بشأن حقوق المرأة وبين ما لم يحدث بشأن المواطنة لنفهم أصل المأساة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق