استوقفتني طويلا قولة ابن تيمية «إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة». لقد كنت منشغلا دوما و ما زلت بقضية "العدل" و من المسئول عن ضمانه إذا ما تباينت المصالح و الرؤي؟ هل هو القاضي؟ أم الحاكم؟ أم المشرع؟ و سمعت منذ طفولتي هتافات من نوع "يحيا العدل" و أهازيج تردد "أحكم بالعدل ياقاضي قدامك مظاليم" و رأيت شعار "العدل أساس الملك" يرتبط بمنصة القضاء، و بدا لي و الأمر كذلك أن القضاة هم المسئولون عن ضمان العدل بين الناس و من ثم عن نصرة الله للدولة.
و مضت الأيام لألتقي في رحاب المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية ثم في رحاب مكتبة الإسكندرية بعدد من فقهاء القانون في بلادنا، و من خلال محاوراتي العابرة معهم اتضح أن القاضي عندما يحكم فإنه إنما يحكم وفقا لنصوص القانون فحسب، و أن نقض الأحكام لا يكون لشبهة ظلم، بل لشبهة خطأ في قراءة و تطبيق نصوص القانون الذي يفترض فيه العدل بصرف النظر عن رؤية القاضي لنصوصه.
لقد انتهي زمن الحاكم الذي يتولي كافة مهام إدارة شئون الدولة بما فيها مهمة استنباط القوانين و الحكم وفقا لها. و مع تعقد المجتمعات و تزايد السكان و ظهور الدولة القومية الحديثة و بروز حقيقة أن العدل أمر نسبي تختلف معاييره في المجتمع الاشتراكي عنها في المجتمع الرأسمالي أو المجتمع القبائلي، و لم يعد ممكنا أن يترك الأمر للقضاة ليحكم كل منهم بالعدل وفقا لقناعاته الفكرية أو السياسية أو العقائدية، بل أصبح علي القاضي أن يحكم وفقا لنصوص القانون فحسب، و أن تستمد تلك النصوص شرعيتها من الدستور الذي يقره الشعب، و أن المجلس التشريعي المنتخب هو المنوط وحده بترجمة مواد الدستور إلي قوانين يلتزم بها دون سواها القضاة في أحكامهم.
استعدت ذلك كله حين صدمني ما قرأته مؤخرا من أن أحد قضاتنا رفض شهادة مواطن مسيحي، و أن تلك الواقعة تحدث للمرة الثانية خلال العامين الأخيرين، و رغم أن الخبر كان محل عدة تعليقات صحفية، فلم نسمع له نفيا أو تفسيرا, بل ساد ذلك الصمت الخبيث المريب الذي ألفناه في العديد من مثل تلك الظواهر. و لست أدري إلي أين سوف يمضي بنا ذلك الصمت و قد تجاوزت شبهة التمييز الطائفي حدود الشوارع و الكنائس و المساجد و دور التعليم و أجهزة الإعلام لتصل إلي بعض القضاة و لا أجرؤ علي القول أنها وصلت إلي القضاء.
لقد ظننت في البداية أنني قد أسأت فهم أو تفسير ما ترامي إلي سمعي خلال تلك الأحاديث العابرة التي أشرت اليها مع عدد من فقهاء القانون الثقاة، و توجست أن تكون إشارة الدستور إلي مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع تعطي للقاضي الحق في إصدار أحكامه مستندا مباشرة إلي رؤيته للشريعة الإسلامية و تفسيره لها، و من ثم يصبح تساوي المواطنين أمام القضاء قاصرا علي "المواطنين المسلمين" دون غيرهم، أو أن ثمة نوعا خاصا من القضايا لا تقبل فيه شهادة المسيحي ؛ و عدت مرة أخري لسؤال اثنين من أبرز فقهاء القانون في بلادنا فإذا بهما يؤكدان أن المرجعية الوحيدة لأحكام القضاء هي نصوص القانون، و أن الجهة الوحيدة التي لها حق صياغة و تعديل القوانين هي مجلس الشعب المنتخب، و أنه إذا ما كان ثمة إشكالية في عدم اتفاق مادة من مواد القانون مع مبدأ دستوري، أو أن ثمة تناقض بين مادتين دستوريتين، فالمرجع الوحيد في حل تلك الإشكالية و رفع ذلك التناقض هو المحكمة الدستورية العليا دون سواها.
و يبقي سؤال: من المسئول في النهاية عن تقييم موقف ذلك القاضي و محاسبته إذا كان مخطئا، أو إعلامنا إذا كان مصيبا؟ و ماذا عن شعور ذلك المواطن المصري المسلم احمد شفيق احمد رمضان حين ينظر في عيون جاره و صديق عمره المصري المسيحي الشهم سامي كمال فرج الذي هب لنجدته أمام المحكمة فإذ بالقاضي يرفض شهادته بسبب ديانته؟ و ماذا عن شعور ذلك المواطن المصري المسيحي الذي حاول بصدق و ربما بدون تعمد أن يجسد تلك الوحدة الوطنية بتكبده مشقة الوقوف أمام المحكمة لمساندة جاره و صديقه المسلم فإذا به يرد علي أعقابه خاسئا ؟ تري هل سيصدقنا إذا ما ظللنا نصرخ ليل نهار أننا جميعا متساوون أمام القانون، و أن الوحدة الوطنية هي صمام الأمان لهذا الوطن؟ و ماذا لو فكر متهم مسلم في رد قاضيه باعتباره مسيحيا لا ولاية له علي المسلمين؟
الا يكفي ذلك لإثارة قلق يدفع بمسئول في وزارة العدل أو في مجلس الشعب أو المحكمة الدستورية العليا ليضع النقاط علي الحروف فيرد لنا جميعا كرامتنا و طمأنينتنا؟ أو أن يعلن صواب موقف ذلك القاضي فيريحنا من شق حناجرنا بهتافات الوحدة الوطنية، و ليبحث كل منا عن جيران في السكن و العمل بل و في كافة أنشطة الحياة ممن يشاركونه عقيدته، و لنحاول أن نولي ظهورنا لتاريخ بل تواريخ امتزجت فيها دماء أبناء هذا الوطن دفاعا عن حدود الوطن و استقلاله
و مضت الأيام لألتقي في رحاب المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية ثم في رحاب مكتبة الإسكندرية بعدد من فقهاء القانون في بلادنا، و من خلال محاوراتي العابرة معهم اتضح أن القاضي عندما يحكم فإنه إنما يحكم وفقا لنصوص القانون فحسب، و أن نقض الأحكام لا يكون لشبهة ظلم، بل لشبهة خطأ في قراءة و تطبيق نصوص القانون الذي يفترض فيه العدل بصرف النظر عن رؤية القاضي لنصوصه.
لقد انتهي زمن الحاكم الذي يتولي كافة مهام إدارة شئون الدولة بما فيها مهمة استنباط القوانين و الحكم وفقا لها. و مع تعقد المجتمعات و تزايد السكان و ظهور الدولة القومية الحديثة و بروز حقيقة أن العدل أمر نسبي تختلف معاييره في المجتمع الاشتراكي عنها في المجتمع الرأسمالي أو المجتمع القبائلي، و لم يعد ممكنا أن يترك الأمر للقضاة ليحكم كل منهم بالعدل وفقا لقناعاته الفكرية أو السياسية أو العقائدية، بل أصبح علي القاضي أن يحكم وفقا لنصوص القانون فحسب، و أن تستمد تلك النصوص شرعيتها من الدستور الذي يقره الشعب، و أن المجلس التشريعي المنتخب هو المنوط وحده بترجمة مواد الدستور إلي قوانين يلتزم بها دون سواها القضاة في أحكامهم.
استعدت ذلك كله حين صدمني ما قرأته مؤخرا من أن أحد قضاتنا رفض شهادة مواطن مسيحي، و أن تلك الواقعة تحدث للمرة الثانية خلال العامين الأخيرين، و رغم أن الخبر كان محل عدة تعليقات صحفية، فلم نسمع له نفيا أو تفسيرا, بل ساد ذلك الصمت الخبيث المريب الذي ألفناه في العديد من مثل تلك الظواهر. و لست أدري إلي أين سوف يمضي بنا ذلك الصمت و قد تجاوزت شبهة التمييز الطائفي حدود الشوارع و الكنائس و المساجد و دور التعليم و أجهزة الإعلام لتصل إلي بعض القضاة و لا أجرؤ علي القول أنها وصلت إلي القضاء.
لقد ظننت في البداية أنني قد أسأت فهم أو تفسير ما ترامي إلي سمعي خلال تلك الأحاديث العابرة التي أشرت اليها مع عدد من فقهاء القانون الثقاة، و توجست أن تكون إشارة الدستور إلي مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع تعطي للقاضي الحق في إصدار أحكامه مستندا مباشرة إلي رؤيته للشريعة الإسلامية و تفسيره لها، و من ثم يصبح تساوي المواطنين أمام القضاء قاصرا علي "المواطنين المسلمين" دون غيرهم، أو أن ثمة نوعا خاصا من القضايا لا تقبل فيه شهادة المسيحي ؛ و عدت مرة أخري لسؤال اثنين من أبرز فقهاء القانون في بلادنا فإذا بهما يؤكدان أن المرجعية الوحيدة لأحكام القضاء هي نصوص القانون، و أن الجهة الوحيدة التي لها حق صياغة و تعديل القوانين هي مجلس الشعب المنتخب، و أنه إذا ما كان ثمة إشكالية في عدم اتفاق مادة من مواد القانون مع مبدأ دستوري، أو أن ثمة تناقض بين مادتين دستوريتين، فالمرجع الوحيد في حل تلك الإشكالية و رفع ذلك التناقض هو المحكمة الدستورية العليا دون سواها.
و يبقي سؤال: من المسئول في النهاية عن تقييم موقف ذلك القاضي و محاسبته إذا كان مخطئا، أو إعلامنا إذا كان مصيبا؟ و ماذا عن شعور ذلك المواطن المصري المسلم احمد شفيق احمد رمضان حين ينظر في عيون جاره و صديق عمره المصري المسيحي الشهم سامي كمال فرج الذي هب لنجدته أمام المحكمة فإذ بالقاضي يرفض شهادته بسبب ديانته؟ و ماذا عن شعور ذلك المواطن المصري المسيحي الذي حاول بصدق و ربما بدون تعمد أن يجسد تلك الوحدة الوطنية بتكبده مشقة الوقوف أمام المحكمة لمساندة جاره و صديقه المسلم فإذا به يرد علي أعقابه خاسئا ؟ تري هل سيصدقنا إذا ما ظللنا نصرخ ليل نهار أننا جميعا متساوون أمام القانون، و أن الوحدة الوطنية هي صمام الأمان لهذا الوطن؟ و ماذا لو فكر متهم مسلم في رد قاضيه باعتباره مسيحيا لا ولاية له علي المسلمين؟
الا يكفي ذلك لإثارة قلق يدفع بمسئول في وزارة العدل أو في مجلس الشعب أو المحكمة الدستورية العليا ليضع النقاط علي الحروف فيرد لنا جميعا كرامتنا و طمأنينتنا؟ أو أن يعلن صواب موقف ذلك القاضي فيريحنا من شق حناجرنا بهتافات الوحدة الوطنية، و ليبحث كل منا عن جيران في السكن و العمل بل و في كافة أنشطة الحياة ممن يشاركونه عقيدته، و لنحاول أن نولي ظهورنا لتاريخ بل تواريخ امتزجت فيها دماء أبناء هذا الوطن دفاعا عن حدود الوطن و استقلاله