حكمت محكمة جنايات الجيزة الدائرة 18 يوم الاحد الماضي حكما بسجن احد كهنة الكنيسة القبطية الارثوزوكسية و التابع لمطرانية الجيزة و ذلك بمعاقبته بالسجن لمدة 5 سنوات .
و هذا الحكم يعتبر الاول من نوعه في تاريخ القضاء المصري و ايضا في تاريخ الكنيسة القبطية بإعتبار ان هذه الواقعة التي حكم فيها علي هذا الكاهن مرتبطة تماما بقضية زواج مسلمة من مسيحي و قيام هذا الكاهن بتزويجهما علي ان الفتاة مسيحية ...
و بادئ ذي بدء لم و لن نتناول هذا الموضوع بإعتبار ان احدا فوق القانون او ان عقوبة قاسية و مشددة أنزلت بهذا الكاهن فهي موجودة بطبيعة الحال في هذا الحكم و لكن سوف اتناول هذا الموضوع من زاويتين هامتين بعيدا عن التعقيب علي الاحكام و إن كان لا يوجد قانون في مصر يعاقب علي التعقيب علي الاحكام و الدليل علي ذلك أن القاضي بشر قد يخطئ و قد يصيب و في حالة خطئه يمكن الطعن علي حكمه و من ثم فان قاعدة عدم التعقيب علي الاحكام هي فضلا عن خلو القانون من الحظر عليها فهو قول يتنافي و حكمة تعدد مراحل القضاء من ابتدائي و استئنافي ثم نقض الحكم...
و من بين ما اتاح لنا القانون في حكم الجنايات الذي صدر بحق هذا الكاهن ان نقول عند الطعن بالنقض عليه ان هذا الحكم قد جاء و قد أخطأ في تطبيق القانون و ان هذا الحكم قد جاء فاسدا في استدلاله و قاصرا في اسبابه و انه قد اخل بحق الدفاع الجوهري مما يستوجب نقضه...
و في واقعة هذا الكاهن الذي قضي بسجنه خمس سنوات في نظرنا ان هذه عقوبة مغلظة و رادعة و قاسية بجرم أخطأ الحكم حين استند علي تحريات مباحث لا تعبر سوي عن رأي ضابط اجراها قابلة لاثبات العكس فقد جاءت تحريات المباحث بأن هذا الكاهن يعلم ان الفتاة ( ريهام ) و هي مسلمة الديانة و ان شهادة ميلادها و بطاقة الرقم القومي مزورة و مع ذلك قام هذا الكاهن بتزويج ( أيمن ) المسيحي من ريهام المسلمة علي انها مسيحية...
ربما بما املكه من علما متواضع في القانون باعتباري محاميا و قبل ذلك كنت رئيسا للمحكمة اقول ان وثيقة الزواج التي قام بتحريرها الكاهن المذكور هي اعدت فقط لاثبات تراضي الطرفين علي الزواج و لم تعد لاثبات بيانات جوهرية و هل الفتاة مسيحية او مسلمة ثيبا او بكرا كبيرة ام صغيرة و هذا ما قررته محكمة النقض و هي اعلي محكمة مصرية في كثير من احكامها و من ثم فليس علي الكاهن الذي يجري عقد الزواج سوي التثبت من شخصية الطرفين الزوج و الزوجة من واقع ما يحملانه من اثبات شخصية لكن ليس له ان يبحث عن صحة هذه البطاقة اي بطاقة الرقم القومي او شهادة الميلاد و عما اذا كانت سليمة او مزورة فهو ليس رجل ضبط قضائي و ليس عمله مخبرا او رجل مباحثاو موظفا في مصلحة الاحوال المدنية و من ثم فان الحكم و قد ادان هذا الكاهن فيكون قد اخطأ في تطبيق القانون و جاء استدلاله فاسدا إذ اعتمد علي تحريات مباحث لا تعبر سوي عن رأي مجري هذه التحريات و لا ترقي الي مرتبة الدليل القاطع و الجازم و تتناقص مع القاعدة الاصولية في المحاكمات الجنائية و هي ان الحكم لابد انيبني علي الجزم و اليقين و ليس علي الشك او التخمين ...
الامر الثاني الذي اصاب هذا الحكم بالعوار و ان المحكمة قد طرحت مستندا جوهريا قدمه دفاع هذا الكاهن حينما سألت المحكمة الكاهن و شاهده القمص فيلبس عما اذا كان القانون الكنسي يشترط لاتمام الزواج شهادة خلو موانع اي ان علي اطراف الزواج ان يأتوا بشهادة من الرئاسة الدينية تثبت انهما لم يسبق لهما الزواج او ان هناك مانع شرعي لاتمام الزواج مثل ان يكون احدهما مختلف الديانة عن الاخر او ايا منهما مصابا بعجز جنسي او مرض يمنعه من الزواج او غير كامل الارادة فاجاب الشاهد علي ذلك فضلا عن تقديمه شهادة رسمية من مطرانية الجيزة بان شهادة خلو الموانع ليست لازمة لاتمام الزواج و ليست ورقة بدونها لا يتم هذا الزواج اي يمكن لاي كاهن ان يقيم هذا الزواج بدون هذه الورقة و مع كل ذلك طرحت المحكمة التي ادانت هذا الكاهن هذه الورقة التي تمثل دفاعا جوهريا و لم تأخاذ بها و اخذت بتحريات مباحث مكتبية مما يعيب هذا الحكم باهداره حق الدفاع الجوهري...
الامر الثالث ان اتمام الزواج الذي قام به هذا الكاهن لا يشكل مطلقا اي خطأ كنسي او قانوني إذ لا يشترط علي الكاهن ان يكون علي معرفة او علي صلة بطرفي عقد الزواج اذ يكفي ان يقوم كاهن بتزويج شخص يقيم في دائرته او علي علم به و ان تكون الزوجة مقيمة في دائرة اخري...
فليس بلازم ان يكون الطرفان معروفان تماما للكاهن اذ يكفي ان يعرف احدهما اذ يكفي ان يتقدم احدا من الشعب التابعين للكنيسة التي يخدم فيها الكاهن و يقول ان المتقدم للزواج يعرفه شخصيا و علي مسئوليته و من ثم تبتعد شبهة تواطؤ الكاهن او تعمده زواج فتاة كما قيل انها مسلمة علي اساس انها مسيحية و من ثم نقول من جماع ما تقدم من الناحية القانونية فإن هذا الحكم قد اخطأ خطئا قانونيا كبيرا في ادانة هذا الكاهن للاسباب التي سوقناها سلفا و كنا ننتظر ان يصدر الحكم بالبراءة لعدم ثبوت الدليل قبل هذا الكاهن او علي اقل تقدير ان تلتمس له المحكمة ظرفا مخففا و هو عدم السعي لمعرفة اطراف هذا الزواج و من ثم تتوافر له حسن النية فتقضي بحبسه سنة مع ايقاف التنفيذ او ما شابه ذلك...
و لكن يتبقي السؤال المثير للجدل بعيدا عن هذه القضية و ما يكون من تداعياتها او كشف عنه هذا الحكم و هو ان هذه الواقعة التي ادين فيها هذا الكاهن علي حد علمي و اجتهادي هي متعلقة بقضية هامة و اكبر من حكم المحكمة بكثير و هي قضية حرية العقيدة في مصر و التي مازالت تثير اشكاليات عديدة إذ من وجهة نظرناما زالت حرية العقيدة التي كفلها الدستور ي احادية الجانب و تتعارض مع المادة 46 من الدستور فلهذا الحكم دلالات و انعكاسات اذ لا يجوز لاي كائن من كان ان يفصح عن انتقاله من دين الي اخر الا اذا كان الي الاسلام فيحظر مطلقا ان يعتنق شخصا ما دين غير الاسلام او بعبارة جريئة ان ينتقل من الاسلام الي المسيحية و هذا يعني انه اذا اراد شخص ان يفعل ذلك و يعتنق المسيحية مثلا عليه ان يفكر مليا و مرارا و تكرارا و ربما يدفعه تفكيره كيف يفكر في تغير و تبديل اوراقه الثبوتية بحيث لا ينكشف امره . فدعنا نتسائل علي افتراض ان واقعة هذا الحكم صحيحة اي ان تزويرا قد حصل في اوراق ريهام الفتاة التي قيل انها مسلمة ثم تنصرت فما الذي دفع ريهام الي قيامها بتزوير اوراقها من مسلمة الي مسيحية و ما الذي دفعها لان تهرب هي و زوجها خارج البلاد و تترك وطنها الا اذا كانت خائفة و مرتعشة من انها اذا افصحت عن دينها الجديد فسوف تكون مرتدة و تعرض للقتل..
و ارجو ان لا يفهم كلامي علي نحو يستغله السوقة و العامة و الصائدين في الماء العكر علي انه دعوة الي التبشير و التنصير و ان كان ذلك لا يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون كما قلت مرارا و هوجمت في قاعة المحكمةمن الغوغاء و المتطرفين و رفعوا الاحذية علي و كادوا يفتكوا بشخصي لولا عناية الله و يقظة رجال الامن...
المهم ان انعكاسات هذه القضية بالغة الخطورة إذ انه في رأينا لا ينبغي النظر اليها باعتبارها واقعة جنائية فحسب و لكن ينبغي النظر اليها باعتبارها قضية متعلقة بحق الانسان في ان يختار العقيدة التي يرغب في اعتناقها و هي ايضا قضية هامة و هو الا يكون الشخص ملاحقا امنيا و قضائيا في حالة تغير معتقده و خاصة اذا كان الي غير الاسلام و يحرم من كافة حقوق المواطنة بل يضطر الي ترك وطنه بكامله و هو ما يعتبر في نظر القانون الدولي ابعادا و تهجيرا قصريا و هذا ضد المواثيق الدولية و ان كان يتم بطريق غيرمباشر و هذا ايضا يجعلنا ان نقول ما نادينا به من وجوب حذف خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي و الذي اصبح ضرورة حتمية لتفادي السجن و الهروب من الوطن و لضمان حرية الاعتقاد... ثم سؤالا اخيرا و اعتبره في غاية الاهمية متخيلين الصورة العكسية و هو زواج المسيحية من مسلم لماذا يفصح عنها و لا يخاف اطرافها السجن او الهروب من الوطن و يظل هذا الزواج مجاهرا به معترفا به ربما تكون الاجابةان الشريعة الاسلامية تبيح زواج المسلم من مسيحية و لا تبيح زواج المسلمة من المسيحي و اقول ان هذا يجب احترامه و يجب احترام ما نصت عليه ايضا الشريعة المسيحية من حظر زواج المسيحية لمسلم فهي عقيدة يجب احترامهااذا لا يجب النظر الي اي امر من الامور الا من خلال مفهوم المواطنة التي ارسي مبادئها الرئيس مبارك في التعديلات الدستورية الاخيرة و لكن يبدو ان الدستور شئ جميل و الواقع شئ مرير
الاستاذ موريس صادق بين حرية التعبير والخيانه العظمى
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق