تثار قضية ضم بعض مستشفيات الحميات في المناطق الصحية بالمراكز والمدن الصغيرة إلي مستشفيات عامة ومركزية باعتبارها إحدى تجليات السياسات الصحية الحالية لإعادة هيكلة القطاع الصحي، بهدف ترشيد الإنفاق الحكومي على الصحة وتحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة ودعم قدرات العاملين في هذا القطاع الحيوي، وتطوير جودة الخدمات بضم تلك المستشفيات النوعية الصغيرة في بعض المراكز إلى المستشفيات المركزية أو العامة في المدن الأكبر في المحافظات، تحت دعاوي منطقية أحياناً حول ضعف التردد على هذه المستشفيات في حين أنها تشغل مساحات واسعة من الأراضي. باعتبارها معازل ضد العدوى وباعتبارها لا تحقق الأهداف من ورائها أقتصادياً وطبياً يتم الضم والإغلاق بقرارات إدارية محضة لا تشرح للرأي العام والمهتمين مبررات ما يحدث على أسس علمية سليمة مؤيدة من جهات علمية متخصصة. والواقع أن تلك القضية المثارة تحتاج لدراستين - على الأقل – قبل صدور مثل هذا القرار: الأولي عن الخطة الإستراتيجية للوزارة لتوزيع المستشفيات القائمة، يتم من خلالها تحديد دقيق لما نحتاجه بالفعل من مستشفيات. تلك الخطة النابعة من رؤية متكاملة يعرضها الوزير على المجلس الأعلى للصحة الذي لم ينعقد منذ تأسيسه عام 1993 وعلى المجلس التشريعي لمناقشتها مع نواب الشعب لتكتسب مصداقية وتوافقاً. ولنا أن نتساءل هنا في إطار تلك الخطة عن عدد المستشفيات العامة أو المركزية التي حصلت على شهادة اعتماد من إدارة الجودة التابعة لوزارة الصحة وتطبق سياسات مكافحة العدوى حتى نلحق بها عدد [70] مستشفى حميات لسنا في حاجة إليها، كما صرح على مسئوليته السيد الوزير. والثانية دراسة عن العبء المرضي في المجتمع للإجابة عن تساؤل أساسي حول أهمية مستشفيات الحميات من عدمه، وهل مازالت الأمراض الوبائية والمعدية تشكل عبئاً يستحق وضع مستشفيات الحميات والأمراض الوبائية والمعدية في إطار شبكة المستشفيات النوعية أم لا، إضافة إلي مستشفيات الرمد والصدر والنفسية وغيرها من المرافق الحيوية للمجتمع. قد نحسن الظن ونفترض أن هذه الدراسات قد تم إجراؤها بالفعل، وأن القرار قد اتخذ بالاستناد لهذه الدراسات الضرورية، وفي ظل وجود رؤية وسياسات واستراتيجيات واضحة عدا رغبة الحكومة في التخلص من كل مسئولية اجتماعية تجاه المواطنين. ولكننا حتى مع حسن الظن هذا نتساءل، أليست هذه المستشفيات ملكاً لنا؟ ألا نستحق كمواطنين ومنتفعين ومالكين أن يتم إطلاعنا على هذه الدراسات واستشارتنا قبل اتخاذ مثل هذه القرارات؟ والواقع أيضاً أن مثل هذه القرارات لا تضع في اعتبارها ـ حتى في إطار إعادة هيكلة القطاع الصحي ـ الدور الأصلي والمستمر لوزارة الصحة باعتبارها وزارة للصحة العمومية منذ دولة محمد علي. فالدور الأول إضافة للسياسات والاستراتيجيات الصحية هو مسئولياتها تجاه الصحة العامة والحالة الوقائية ومقاومة الأمراض الوبائية والمعدية مثل الملاريا والالتهاب الكبدي الوبائي والحمى الشوكية وأنفلونزا الطيور التي تصيب البشر وتعتبر من الكوارث، والتي تحتاج في كل الأحوال إلى مستشفيات نوعية في إطار خطة واضحة وشاملة لتكامل الخدمات الصحية بمستوياتها المختلفة. وفي نفس السياق تبرز تحركات السيد الوزير الدائمة بين المستشفيات وتصريحاته التي قد ُترضي الرأي العام حول أنها أسوأ مستشفيات في العالم، وتصريحاته المحمودة حول أن العام القادم سوف يكون عام المستشفيات. مما يجعلنا نطرح سؤالاً بديهياً: هل هناك خطة مركزية محددة لتطوير المستشفيات وإعادة هيكلتها بالفعل؟ وإذا كانت موجودة لماذا لا يعرضها السيد الوزير مرة ثانية على المجلس الأعلى للصحة أو على مجلسي الشعب والشوري حتى يصبح لدينا سياسات تتسم بالشفافية يعرفها الجميع ويوافق عليها؟ لقد باتت الشفافية أسلوب حياة في كثير من بلدان العالم التي تسعى للحياة الأفضل ولم تعد ترفاً يمارسه بعض النبلاء من المسئولين أحياناً من باب الوجاهة الاجتماعية والثقة بالنفس أو الاستغناء والترفع. ولما لا يمكن فصل المنهج عن الأسلوب في أغلب الأحوال مما يتصل بالشفافية فهي على صلة وثيقة بتوافر المعلومات والبيانات للباحثين فيما يتعلق بالسياسات والخطط المستقبلية، وهذا مالا تمارسه الوزارة إلا قليلاً من خلال بعض اللقاءات المرئية السطحية سابقة التجهيز، دون مناقشة علمية واسعة مع كل الأطراف المشاركة في تحمل نتائج تلك السياسات ذات الصبغة الفردية. وبذلك تصبح هذه السياسات في النهاية قرارات وزير قد يرحل في أي وقت، وهو ما تسبب في ضياع أغلب جهود إصلاح القطاع الصحي على مدى أكثر من عقد كامل. فهل ننتظر عرض الرؤية والسياسات والخطط المرتبطة بجدول زمني من المسئول الأول عن صحة المصريين بدلا من الجولات المكوكية ذات الطبيعة الدعائية (وهذا ما يستطيع أداءه وكلاء الوزارة المؤهلين والتنفيذيين) لنقد النظام الصحي القائم بعد مرور سنوات على تحمل المسؤلية؟ إنا لمنتظرون رؤية وسياسات وخطط وبرنامج زمني لإصلاح القطاع الصحي في مصر.
الاستاذ موريس صادق بين حرية التعبير والخيانه العظمى
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق