الأحد، 5 أكتوبر 2008

خانه المعتقد بقلم الاستاذ سامى حرك


سامي حرك أعرف رجائي عطية من زمن بعيد , فقد جمعتنا ظروف العمل في فريق قانوني تولى إحدى أكبر المنازعات القضائية في المحاكم المصرية , نهاية ثمانينات القرن الماضي !!!رأيته عن قرب , ملئ بالمهارات والمواهب في المرافعات الجنائية , عاشقاً لمهنته , مجتهداً فخوراً بإحترافيته , كما لمست وشاهدت قيمه النبيلة وتقديسه للعلم والعلماء , فلا أنسى حين صحبني ونقيبنا الرائد / أحمد الخواجة , لإستشارة الفقيه القانوني الكبير / محمد عبد الله محمد , ورأيت العلمين الكبيرين , يجلسان عند قدمي أستاذهما العلامة , يستشيرانه في أدب وتوقير وإحترام وإجلال , رغم تعنيفه لهما في بعض الأحيان , مشهد لا أحسبه يتكرر كثيرا , بل وأجزم أني لم أشهد هذا الحب والمودة المقدسة منذ أيام إلتحاقي بالطرق الصوفية , فقد كانت علاقة رجائي عطية بأستاذه محمد عبد الله محمد , كعلاقة المريد الصوفي بشيخه الإمام !!!باعدت الأيام بيننا , وإن ظل رجائي عطية المحامي في المشهد العام , كبير المحامين , بإعتراف منافسيه , وبحجم وأهمية ما يتولاه من قضايا , وبكبار المحامين يلوذون ببلاغته ويرددون حججه وأسانيده , وبشباب المهنة يتزاحمون خلفه يتعلمون فنون المرافعة والحضور !!!أحسب أني لم أتوصل –مبكراً- لمعرفة إتجاهه السياسي , رغم متابعتي الدائمة لأعماله , بسبب ثراء وتنوع مشاركاته المتعددة , بين المقال والكتاب , في الصحف والفضائيات , وإن كانت درر إبداعاته تظل في المذكرات القانونية , لكن لفت نظري شجاعته الفائقة , وشفافيته العالية في كتابه الأخير : "الهجرة إلى الوطن" , الذي صدر وكأنه يعتذر لأمه "مصر" , لإنشغاله عنها , وتشتته في الإهتمام بسواها , كما رأيته يلخص ذلك في تعريف جديد للوطنية :الوطنية : ذوبان في عشق الوطن , والعطاء بل والفداء له في كل الظروف والأحوال !هاجر رجائي عطية –عائدا- إلى وطنه المصري , كما هاجر أحمد عبد المعطي حجازي وأسامة أنور عكاشة وأحمد رجب وجمال الغيطاني وجمال بدوي , ولفيف من أرقى وأجمل العقول المصرية , التي ربما تغربت وتشرقت , لكنها إلى حضن الحبيبة إيزيس تعود !!!حين قرأت حواره المنشور في جريدة نهضة مصر , ومساهمته لفض الإشتباك بين أحكام المحاكم المصرية وبين رغبة فريق من المصريين التمتع بثمار المواطنة التي تفرض عدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين , أثناء قراءتي للحوار عدت بذاكرتي للبدايات , حين شاهدت في زيارتي الأولى لمكتبه أكبر مكتبة شخصية , ما بين فلسفات وأديان وفلك وموسوعات ودوائر معارف ومنوعات كثيرة جنباً إلى جنب موسوعات النقض وأحكام القضاء !!!لذلك فإنني أعتقد أن ما يقوله رجائي عطية اليوم يستحق كل اليقظة , ولا أبالغ إن قلت : يجب أن نقف عنده طويلاً , ونعطيه حقه في التأمل والدراسة , لأنها نصيحة ثمينة من عالم قدير !!!المقدمة السابقة تنبيه لأهمية مساهمة رجائي عطية في قضيتين هامتين :1. ضرورة إعادة الحوار حول المادة الثانية من الدستور المصري , وتعديلها بما يضمن إستمرار مدنية الدولة , وبما يثري مصادر التشريع . 2. إلغاء خانة الديانة من المحررات الرسمية .حيث نفهم من مقتطفات لحوار الأستاذ الكبير / رجائي عطية , في جريدة نهضة مصر بتاريخ 1/4/2008 , أنه مع تعديل المادة الثانية من الدستور , وأنه ضد خانة الديانة , والدليل مساهمته بتقديم علاج مؤقت , أو حل للتضارب في أحكام المحاكم • لحين تعديل المادة الثانية من الدستور المصري !!!• خانة الديانة تصبح خانة المعتقد !!! إن العامل الأكثر حسما بالنسبة للديمقراطية من مسألة التنظيم الداخلي هو العلاقة بين دين معين ودين الدولة ، فكلما كانت العلاقة بينهما أوثق ، قل احتمال معاملة أولئك الذين ينتمون إلي دين آخر ليس كمواطنين علي قدم المساواة أو السماح بالتعبير العام الكامل عن ذلك الدين المغاير، وفي الحالات القصوي ، حيث تنظر السلطات الدينية إلي الدولة علي أنها الهيئة المقدسة المنوط بها الوفاء بمهمة دينية علي الأرض ، يمكن ببساطة أن تأخذ السياسة طابع حملة عسكرية دينية يجري فيها إجبار معتنقي الديانات الأخري علي الدخول في الصف واضطهادهم , أو علي أقل تقدير التمييز بينهم , وبذلك تختنق فيها حرية للتعبير !!!ومن التجربة التاريخية الأليمة لحملات القمع هذه والحروب الأهلية وأعمال العنف الطائفية ، انبثقت فكرة التسامح الديني ، فحتي إذا كنا نعتقد أن ديننا هو الحقيقة الوحيدة التي لا معقب عليها ، فإن تكلفة إجبار الآخرين علي قبوله هي ببساطة تكلفة فادحة إنسانياً ، بما لا يمكن معه احتمالها في عالم يتميز بتعدد الديانات واختلافها !!!التسامح لا يعني التخلي عن معتقداتنا الخاصة ، وإنما هو يعني منح الناس الكرامة الإنسانية الأساسية بتركهم يقررون لأنفسهم حتي إذا كان ذلك يقودهم إلي اتخاذ قرارات خاطئة , ويتسم النص الدستوري المصري الذي يقول في مادته (46) التالي .."تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية" , بالعبقرية , فأتصور أن المشرع عندما صاغ مصطلح حرية العقيدة كان يقصد المعتقد وليس الدين السماوي والدليل أنه في الفقرة التالية يقول :..."وحرية ممارسة الشعائر الدينية" .. إذن هناك فرق بين الدين والعقيدة ، هذا ما فطن إليه فقيهنا القانوني رجائي عطية عندما قال لدى سؤاله عن الحكم الصادر بشأن خانة الديانة في البطاقة الشخصية :لو بيدي الأمر في الداخلية والأحوال المدنية لبدلت خانة الديانة ووضعت بدلا منها "المعتقد" , وهذه تنطبق علي جميع الديانات المعترف بها وغير المعترف بها , وبهذا نحلق فوق النص ... وهذا في نظري هو الحل بدلا من حالة اللغط التي تحدث الآن ... وأضاف عندما سئل بأن هذا قد يفتح باباً للتمييز والتصادم مع مبدأ المواطنة؟؟؟ "أن هناك فرق بين التفضيل والتمييز والوصف .. فالبطاقة قد تتصدي لبيان النوع وليس هذا تمييزا ، وبالتالي لا نستطيع أن ننكر أن هناك مسيحيا ومسلما ودرزيا وكنفوشيا ، وهناك أديان سماوية وأديان وضعية ، والحل لكل هذا اللغط هو لفظ المعتقد ، وفيها أذكر مسيحي _ مسلم _ بهائي _ غير ذلك دون الاصطدام مع النص" , وهنا في هذا التحليل العميق (المرحلي) ، نلاحظ أنه في حالات عدم القدرة _ مرحليا في تغيير النصوص الدستورية _ وانطلاقا من مبدأ سيادة القانون والحماية الدستورية يمكن المواءمة بين النص الدستوري في المادة رقم (46) , الذي أتصور أنها مادة عبقرية في صياغتها ، بالمقارنة بينها وبين نص المادة الثانية الذي يقول .. "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) _ حتي يتم تعديله - والذي يتوافق أيضا مع نص المادة (40) الذي يقول نصاً : "المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة" , ونلاحظ هنا أن المشرع قال : الدين أو العقيدة , وهو ما يفسر ما ذهبنا إليه أنه عندما قال في مادته (46) : "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية" ... كان يعني فرقاً بين الدين وبين العقيدة .. فلماذا قال حرية العقيدة ؟؟؟ ثم أتبعها بحرية ممارسة الشعائر الدينية؟؟؟أطالب –وزملائي- في حزب "مصر الأم" , بإلغاء خانة الديانة , كما نطالب بنفس المطلب في مجموعة "مصريون ضد التمييز" , كما تشكلت جروبات منا وآلاف الشباب على موقع الفيس بوك تطالب بإلغاء خانة الديانة من البطاقة , أو من إستمارات التقدم للوظائف , ونواجه بمعارضة شديدة , سواء من الدولة التي كان من بين أهم أسباب رفضها لتأسيس حزب مصر الأم مطالبته في برنامجه بإلغاء خانة الديانة من كافة المحررات الرسمية , وقال مستشاروا الحكومة في أسبابهم للرفض , أن الحزب بمطلبه هذا يكون قد أسس لحزب يطالب بإلغاء الأديان وإقصاء الدين من حياة المصريين !!!كما نواجه بمعارضة شعبية , سواء من خصومنا السياسيين بين صفوف جماعة الإخوان المسلمين الذين يطمحون لدولة الخلافة , أو حتى من صفوف بعض المسيحيين الذين يرون في النص على خانة الديانة حفظ لهويتهم الدينية من الإندثار وسط الغالبية المسلمة !!!لم يفكر أحد منا –قبل رجائي عطية- في حل مرحلي إنتقالي , يضمن عدم التمييز بسبب الدين , ويضمن حرية الأفراد في الإفصاح والإعلان عن هويتهم الدينية من خلال مستند رسمي , ويحفظ المواطنة كقيمة عليا تسبق الهويات الدينية والعرقية !!!ومن هنا فإن مساهمة رجائي عطية بإبدال كلمة خانة المعتقد بدلا من خانة الديانة , والتي يمكن أن نضيف إليها , مع ترك الأمر إختياريا لمن يريد إظهار أو إغفال خانة المعتقد , هي الحل المرحلي المؤقت , الذي يرضي كل الأطراف , حكومة وشعبا , كما يلبي توصيات المنظمات الدولية والعهود وإتفاقيات حقوق الإنسان , لحين يأتي الوقت المناسب الذي تعقد فيه الجماعة المصرية حواراً ديمقراطياً جاداً حول نصوص الدستور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق