الأربعاء,تشرين الأول 22, 2008
كلنا بائعون بقلم الاستاذ نشأت عدلى
رحلة من العذاب والألم ، رحلة ظلم بيّن يمزق الأحشاء ، صرخات الإستغاثة تشق عنان السماء ، تزلزل القلوب من الألم ، وتدميها ، الصرخات سمع صوتها كل العالم البعيد ، لكنها مع الأسف لم يصل صوتها للجار القريب ، أنين المظلومين قد أحسَّ به كل المهمومين بالإنسان وقضاياه ولم يشعر بها القائمين على رعايته 0
إننا جيل نشأ فى زمن أجمع الكل على تسميته بالزمن الجميل ، وأنا أسميه زمن رعاية الإنسان وإحترام مشاعره برغم نسبية هذا الإحترام ، كانت الدولة ترعى مواطنيها وتعاملهم حسب نص الدستور، كانوا متساويين جميعهم فى الحقوق والواجبات ، كانت التفرقة محدودة لدرجة أنه لا يشعر بها أى مواطن ، ولكننا اليوم نشعر أن الوطن قد تخلى عنا بعدما أتبع سياسة البيع(للضمير والحقوق والواجبات) والذى علمها لغالبية مواطنية ، وذلك بعدما باع الشركات الخاسرة المملوكة للدولة ، ظهرت فئة كانت هى الشرارة الأولى للتعليم فى كيفية البيع وأساليبة ، بحرفية التجّار وأسلوب السماسرة ، فحصلت على مبالغ رهيبة وأيضا مناصب رفيعة فكانت هذه مكافأة لها ، ومنها تعلم الكل كيف يبيع ليحصل على غنيمة .
- فباع العديد من كبار موظفي الدولة الشرف الوظيفى ومعه ضمائرهم طمعا فى ربح أكثر، بحجة تأمين المستقبل الذى أصبح مجهولا بالنسبة لهم ، وتعّلم صغار العاملين هذه اللعبة ومارسوها بمهارة الكبار ، وأصبحت الصورة واضحة والهدف أيضاً بعدما كانت الممارسة تتم خفية وعلى أستحياء ، أصبح شعار فى كل مصلحة ، بِدأً من الفراش الصغير إلى مديرة ، وكأنها مظاهرة لبيع القيّم ، لإعلان أن هذا نتيجة عدم إهتمام الدولة بهم أو رعايتهم ومراعاة ظروفهم ، وكرد فعل مضاد لكل زيادة فى الأسعار .
- باع المواطن كل ماتبقى له من ضمير ومبادئ لكى يرى غدٍ أفضل لمستقبل أولاده ، الذى علمهم أيضا فنون البيع ، بل وأصبحت قيمة من القيم الحديثة التى يؤمنون بها ويتعاملون من خلالها ، فباع جيرانه ومعه أصدقائه ، باع كل ماتبقى له من ماضى جميل وقيّم موروثة من الأجداد ، ولم يحتفظ لنفسة بشئ من ذكريات المحبة أو علاقة الجيرة الحميمة التى عاشها سابقا ، لم يحتفظ لنفسة إلا بشئ واحد ، هو كيف يبيع ، لــيـكون ، أو ليبقى !! 0
- باعت غالبية وسائل الإعلام ـ المرئية تحديداً ـ كل قيمة جميلة كانت تُدخلها للبيوت لتعلمهم قيمة الجمال والحياء ورقة المشاعر ونبل العلاقات الإنسانية القائمة على المحبة الصادقة دون أية إعتبارات أخرى ، وأصبحت هذه الوسائل الأن دعامة من دعامات تعليم العنف والتعصب ، أصبحت تُعلم كيف يبيع المواطن شرفة ، علمت المرأة كيف تبيع كل ماعِنِدها مقابل أشياء وقتية حتى فلذات أكبادها ، بأفلام وتمثيليات كل مابها مناظر مثيرة لكلا الجنسين كما لو كانت ترسل لهم رسالة هذه هى الحياة اليوم ، مضاف إليها الإعلانات المستفزة التى تخاطب فى المواطن غريزته الإستهلاكية لإقتنائها مهما كان الثمن ، وبعض المرتزقة من صغار الكتَّاب باعوا قضية الوطن وهمومة الأساسية ، سعياً لربح أكثر عبر المتاجرة بقضية الوحدة الوطنية بكلام تستشعر فيه الميل لطرف دون الأخر0
- باعت الأمة ضميرها العام ، وحاكمت المواطن على أساس إعتبارات أخرى ليست لها علاقة بحقوقة الضائعة ولكن إعتبارها الأول هو معتقداتة ، وتاه الحق ، وانحنت العدالة فى منحنيات ليست لها ، حتى صرخات المظلومين وأناتهم أصبحت كقيثارة تُخرج أعذب الألحان التى تشجيهم وتجعلهم مُستريحى الضمير ، وبات الظلم وكأنه العدل بعينة ، وأصبح العدل كسلعة تُباع لمن يقدر ثمنها .
- وتاريخنا الذى نتباهى كثيرا به قد دخل صالة المزاد ليُباع أيضا ، فآثارنا التى أهدينا البعض منها ، والبعض الأخر سرقوة وباعوة فى أسواق الغرب الذى يُقدر هذا التاريخ أكثر منا ، وكأننا نتخلى عن أحلى ما فى ماضينا المرصود من العالم أجمع ، لذا تخلى الماضى عنا وانسحب ، بل حُرق وكأنة يأبى أن يعيش فى سوق البائعين (كدار الأوبرا ومجلس الشورى ) وعندما وجهوا لنا النقد لتفريطنا فى موروثنا التاريخى رحنا ننبش فى ماضينا لنستخرج منه مواقف مشرفة وأعمال عظيمة لم نستطع أن نعمل شيئ منها ، ونهلل بالكلام ، اننا لم نفرط فى شيئ ، وفى الحقيقة قد فرّطنا فى كل شيئ ، لقد هان الماضى علينا فهُنّا على المستقبل .
- حتى المؤسسة الدينية التى بإغفالها قوانين أباءها ودستورها المكتوب مقابل هدف زائل هو المادة أصبحت ضمن الذين نتكلم عنهم ، غهى قد ظنت أن الماديات ستعطيها القوة والنفوز ، وتطلعت سياسيا فى أن يكون لها دور مؤثّر فيها ، ومهابة مصطنعة ، ظنت أنها تستطيع أن تحمى نفسها ومن حولها بها ، فتوهّم أبنائها بقدرتها على حمايتهم مما يقع عليهم ، فأرتموا فى حضن هذا الوهم فلم يجدوا من يدافع عنهم وعن حقوقهم ، فتجرعوا مرارة الظلم وممارساته عليهم ، بدون أية وقفة جادة تحميهم ، أو ترفع جورا واقع عليهم ، ولم يجد القائمين عليها إلا كلاماً عن الود والمحبة التى نستشعر أنهم يستجدونها .
- لقد باع جيل بأكمله أحلامه التى كانت تراوده حين رأى المستقبل المجهول أمامه ، فذهب يبحث عن أحلامه لتحقيقها فى مكان أخر وبلد أخرى ، وساعدت الأُمة على ضياع الأمل فى مستقبل هذا الجيل بل ساعدت على هجرتهم خارج البلاد وباعت مصدر من مصادر القوى المنتجة وصدرتها للخارج ، وتاه هذا الجيل عن كل مصادر المحبة القديمة التى عاش فيها وتربى عليها ، وأصبح محمّل بأفكارالتطرف وسياسة الإنتقام من كل فرد .
البائعون كثيرون ، والسلع أكثر ( ضمير – فتنة – شقاق...الخ ) ، ياليتنا نكف عن هذه السياسة ونبدأ بإخرى ، سياسة الشراء ، شراء أفراد الوطن ومصالح الوطن ، دعماً وإحياءً للذمم والعدل ، نضم كل أبناء هذا الوطن فى وحدة واحدة ، تحت علم ومنارة المحبة
الاستاذ موريس صادق بين حرية التعبير والخيانه العظمى
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق