مرة أخرى " أخذها الغراب و طار " !! ... ترى ما هي هيئة هذا الغراب الأسطوري الذي أعتاد أن يقتنص منا فرحاتنا قبل أن تتم ليطير بها الى عشه البعيد !؟ وما حجم ذلك العش الذي استطاع أن يستوعب كل تلك الفرحات العربية المجهضة عبر عشرات السنين !؟ أم أن غراب الشؤم ذاك ينتزع فرحاتنا من قلوبنا لمجرد أن يلقي بها في الصحاري القاحلة و الوديان السحيقة ، فهو لا يستهدف مما يفعله الا اغاظتنا و التنكيل بنا !؟ ... خواطر و تساؤلات عبثية قفذت الى ذهني و أنا أتابع مشاهد سقوط التجربة الديمقراطية في موريتانيا ، تلك التجربة التي لم تكن قد تجاوزت بعد مرحلة الحبو ومع ذلك تربص بها الغربان ، انقضوا عليها في شراسة وعنف ، واجهضوا بذلك حلما رومانسيا – أو ربما وجب علينا أن نسميه الآن وهما ساذجا - بأنه من الممكن أن تتأقلم بعض المجتمعات الناطقة بالضاد بسهولة مع منطق الديمقراطية ... منطق قبول التعددية ... منطق التداول السلمي للسلطة ... و لكن - و للأسف الشديد – أثبتت العقلية العربية مرة أخرى أنها ما تزال عصية على التحديث و استيعاب منطق العصر ، و أكدت من جديد تصميمها على أن تظل " الاستثناء المؤسف" في عالم استقر ، بعد طول تجريب ، على نجاعة الخيار الديمقراطي ... فوحدها استمرت العقلية العربية في التأكيد على أن " السيف أصدق أنباء من الكتب " ، أما التحديث الوحيد الذي تقبلته تلك العقلية فهو أن تستبدل السيف بسطح برج الدبابة أو ربما بحزام ناسف ملتف على وسط انتحاري ، فتلك – و تلك وحدها - هي الوسائل التي لازالت العقلية العربية تؤمن بأن " في حدها الحد بين الجد و اللعب "... نعيق أحد الغربان و هو يتلو " البيان رقم 1 " على شاشة التلفزيون جعلني أتسائل : ألا يمكن ان تكون المشكلة هي في توقعاتنا نحن !؟ ... نحن الذين فرحنا ببصيص الضوء الذي تسرب من هذا الشق الرفيع في جدار الاستبداد العربي العازل ، فنسينا – أو بالأصح نتناسينا – حقيقة الواقع السياسي في هذا البلد العربي الذي لا زال يتشح بثياب البداوة الغليظة و القبلية الجاهلية ، ذلك البلد الذي مازال يعاني من مشكلة عنصرية حقيقية تقسم شعبه الى سود و بيض " أو سودان و بيضان كما يقولون هناك "و أسياد وعبيد ، ذلك البلد الذي تكاد الانقلابات السياسية فيه أن تصبح الرياضة القومية المفضلة لأهله "فالانقلاب الأخير كان الانقلاب رقم 16 ! تخيلوا ! " نعم قد يكون العيب في توقعاتنا نحن ، و لكن عذرنا أننا نرفض أن نستسلم لصورة كابوسية أليمة يؤكدها – للأسف الشديد - الواقع السياسي لمنطقتنا " السعيدة " يوما بعد يوم : ساحة قاحلة قائظة .... تتناثر في أرجاءها جثث سياسية نافقة ، أو تكاد تكون ... و تحوم حولها غربان شيطانية متربصة ... تتشمم متلذذة رائحة الموت السياسي الخانقة .... و لايسمع في أرجائها سوى صوت النعيق ...نعيق ..نعيق ...نعيق..
الاستاذ موريس صادق بين حرية التعبير والخيانه العظمى
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق